الوضع الشرعي ناسخا للعرفي يمكن بوجهين أحدهما أن يكون الغرض أن لا يكون المعنى العرفي معنى للّفظ أصلا والثّاني أن يكون الفرض أن لا يكون للّفظ في مقام بيان الشريعة إلاّ المعنى الخاصّ والمراد هو الثّاني فإنّ كل من يوضع اللّفظ للمعنى في اصطلاح غرضه أن لا يستعمل في ذلك الاصطلاح إلاّ في ذلك المعنى فالفعل إذا استعمل في اصطلاح النحو لا يراد منه إلاّ المعنى الاصطلاحي فالمعنى اللّغوي منسوخ بالنسبة إلى الاصطلاح الخاصّ فكذا اصطلاح الشّارع فإذا استعمل الشارع اللّفظ في مقام الشريعة لا يريد منه إلاّ المعنى الشرعي لحكمة الوضع وكلّ من يكون مخاطبا له في ذلك يكون تابعا له نعم لو تكلّم في غير مقام الشريعة حمل على المعنى العرفي كما أن يتخاطب مع النّحوي في صناعة النّحو يكون تابعا في اصطلاحه وإن تكلّم معه في غيره حمل على مقتضى العرف فالحاصل أنّ اللّفظ الّذي له حقيقة شرعيّة إن استعمله الشارع في مقام بيان الشريعة حمل على المعنى الشرعي ولم يكن له معنى سوى ذلك كما في كلّ أهل اصطلاح إذا تكلّم فيما يتعلّق باصطلاحه وإن استعمله في غير ذلك حمل على العرفي ولا توقف في شيء من المقامين فالمسألة خارجة من محلّ النزاع في تعارض عرف المتكلم والمخاطب وأمّا حكاية الرّطل إذا تكلّم به الإمام فلا دخل له بذلك إذا الإمام ليس له فيه اصطلاح خاصّ وصناعة خاصّة بحيث لا يكون للّفظ في ذلك الصناعة إلاّ المعنى الواحد إذ ليس الرطل مما ثبت فيه الحقيقة الشرعيّة بل الوضعان كلاهما ثابتان عند الإمام غاية الأمر أنّ أحدهما لسانه وعرفه والآخر ليس عرفه فلا دخل له بالحقيقة الشرعيّة فافهم ثم إنّ ما ذكره بعضهم من الفرق بين ما إذا وقع اللّفظ الّذي له معنى شرعي بعد النّهي فيحمل على المعنى اللّغوي أو العرفي دون الشرعي وبين ما لو وقع في مقام آخر فيحمل على المعنى الشرعي إذ المعنى الشرعي هو الصحيح والصحيح عبارة عن ما يطابق الأمر فلا يمكن تعلق النّهي للزوم اجتماع الأمر والنّهي ففساده أظهر من أن يحتاج إلى البيان إذ لا نسلم أن المعنى الشرعي هو الصحيح ومع التّسليم يمكن إرادة الأعمّ مجازا ومع التّسليم لا نسلم كون الصحيح عبارة عما يطابق الأمر كما سيظهر فيما سيذكر إن شاء الله
المقام الثّاني في بيان أن الضّابط في الحمل على المجاز ما ذا
فنقول لا شبهة في أن المدار في الحمل على المجاز قبالا للحقيقة وجود القرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي والقرينة إمّا حاليّة أو مقاليّة لا تتعدّاهما والقرينة العقليّة والغلبة ونحوهما راجعة إلى الحاليّة فإنّه إذا شاع استعمال اللّفظ في المعنى المجازي فحال المتكلم يقتضي إرادته من اللّفظ جريا على عادته وكذا العقليّة وإن احتاج إرجاعها إلى الحاليّة إلى نوع تحمل واختلف في أنّه يجب أن يكون الكلام مع ما يلحقه من القرائن ظاهرا بالظهور الفعلي في إرادة المجاز حتى يحمل عليه أو يكفي كونه ظاهرا