الذّاتيّة كاشفا عن كونه شائع الاستعمال صح ذلك لكنه غير مسلم لأنّ شيوع الاستعمال في المجاز مستند إلى الاحتياج وهو غير منحصر في الأقرب ذاتا كما لا يخفى وقيل لو دار الأمر في نقل الكلّي بين النقل إلى فرد والنقل إلى مباين قدم الأول لغلبة نقل الكلّي إلى الفرد دون المباين وفيه إشكال لشيوع النقل إلى المباين أيضا كالصلاة والحجّ والصوم وغيرهما فإن المعنى اللغوي ليس ملاحظا في المذكورات حتّى يقال إنّ الصّلاة نقلت إلى الدعاء الخاصّ وكذا في غيرها نعم لو ثبت الغلبة المذكورة صح ذلك إذ المدار على الظّنّ
ومنها توقف استعمال اللّفظ في المعنى على استعماله في غيره في كلام واحد
وهو دليل مجازيته فيه ومثل لذلك بقوله تعالى وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ فإنّ استعمال المكر فيما يصحّ استناده إليه تعالى متوقّف على إسناده إلى العبد أو لا ونوقش في ذلك بأنّه قد نسب إليه تعالى في آية أخرى مع عدم نسبته فيها إلى العبد كقوله تعالى فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ وبأن المجاز لا يتوقّف إلاّ على العلامة والمناسبة دون شيء آخر وفيه نظر أمّا الأول فلأنّه مناقشة في المثال ولا يجري في نحو قوله قالوا اقترح شيئا نجد لك طبخه قلت اطبخوا إلي جبة وقميصا فإن استعمال الطبخ في الخياطة يتوقّف على استعماله في الموضوع له أوّلا وأمّا الثّاني فلجواز أن يكون محض المجاورة والمصاحبة اللّفظيّة موجبا لحصول المناسبة كما نشاهد ذلك في الطبخ فإنّه ليس مناسبا مع الخياطة بوجه ومع ذلك نرى له في الشعر المذكور حسنا وسلاسة يقبلها الذّوق ويميل إليها الطبع والأمر في المجازات دائر مدار قبول الذّوق فيعلم أنّ محض المجاورة سبب لحصول المناسبة لكن هذه العلامة يرجع إلى عدم الاطراد نظير قولنا أعتق رقبة حيث يصحّ ذلك ولا يصحّ جاءت الرقبة ونحوه
ومنها التزام التّقييد
وهو علامة المجاز وعدمه علامة الحقيقة لظهور الالتزام في أنّ اللّفظ لا يفيده بنفسه كقولهم نار الحرب جناح الذّل فإنّه لا يستعمل النّار في اشتداد الحرب إلاّ مقيدا بالحرب وكذا الجناح ونوقش فيه بوجهين أحدهما بوجود التقييد في بعض الحقائق كماء البحر والبئر ونحوهما والثاني بالتزامه في الأسماء اللازمة الإضافة مثل ذي بمعنى صاحب وفيهما نظر أمّا الأوّل فبعدم وجود الالتزام فيه وأمّا الثاني فلأنّ محلّ الكلام ما نقطع فيه بعدم احتياج أصل المعنى إلى التّقييد كالنّار والجناح فيخرج ذو وأمثاله لتوقف إفادة
المعنى فيها على التّقييد وليس الكلام فيه وبعد ما عرفت من كفاية الظّنّ في اللّغات فالأمر واضح
ومنها تقييده بقيدين مختلفين
فهو دليل وضعه للقدر المشترك كالأمر يقيد بالمرة والتكرار حذرا من لزوم التناقض إذ لو كان موضوعا لأحدهما دون الآخر كان تقييده به تأكيدا وبالآخر تناقضا وفيه نظر لعدم لزوم التناقض للمراد وعدم ضرر التناقض مع الموضوع له وإلاّ لانسدّ باب المجازات وعدم بأس في صيرورة تأكيدا