عن ملاحظة غلبة الاستعمال وغيرها الذي هو علامة الحقيقة فتأمّل الثّالث إذا بينا على الشّك في ثبوت المفهوم وعدمه بحسب الأدلّة فهل الأصل يقتضي المفهوم أو لا قيل إنّ مقتضى الأصل انتفاء المفهوم لوجوه منها أنّ ثبوت المفهوم يتوقف على التفات الواضع حين الوضع إليه والأصل عدم الالتفات وفيه أنّ المفهوم من لوازم وضع حرف الشّرط للتّعليق ولا يتوقف على الالتفات ودعوى أنّ الأصل عدم الوضع للتّعليق معارضة بأنّ الأصل عدم الوضع لغيره ومنها أنّه لو كان الحكم الثّابت في المنطوق موافقا للأصل فلو تحقق المفهوم لكان مخالفا للأصل فالأصل عدمه كما لو قال إن جاء زيد كان لك الماء مباحا فإنّ المفهوم هو حرمة الماء عند عدم المجيء والأصل البراءة عن الحرمة ومنها أنّه لو كان موجبا لتخصيص عام أو لتقييد مطلق كان مقتضى أصالة العموم والإطلاق عدم ثبوت المفهوم كقوله صلىاللهعليهوآله إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء فإنّ المفهوم هو نجاسة الماء القليل بالملاقاة وهو يوجب تخصيص عموم قوله كل ماء طاهر وتقييد إطلاق قوله خلق الله الماء طهورا مثلا واعترض عليه بأنّ ثبوت المفهوم في هذه الموارد لا ينافي أصالة الإباحة ولا بقاء العام والمطلق على حاله لأنّ المفهوم إنّما هو رفع الإباحة الخاصة المسببة عن مجيء زيد فارتفاعها بارتفاع المجيء لا ينافي ثبوت الإباحة العامة بأصالة الإباحة وكذا ارتفاع الطّهارة الخاصة المسببة عن الكريّة بارتفاع الكريّة لا ينافي ثبوت الطّهارة الثّابتة لطبيعة الماء بقوله كل ماء طاهر في الماء القليل وفيه أوّلا أنّ ارتفاع الإباحة الخاصة والطّهارة الخاصة فرع ثبوت كون المقدم سببا للتالي وهو أوّل الكلام فلا يعلم أنّ المراد بالإباحة أو الطّهارة في التّالي هل هي الخاصة المسببة حتى يرتفع بارتفاع السّبب أو العامة حتى تبقى وإذا فلا يمكن الحكم بثبوت المفهوم من هذه الجهة أيضا والقول بأنّ الطّهارة العامة لا معنى لترتيبها على خصوص الكريّة باطل لجواز إثبات الحكم لفرد من أفراد الطّبيعة مع اشتراك الباقي معه فيه لكونه محل الحاجة فذكر خصوص الكر في المثال لا ينافي ثبوت الحكم لغيره أيضا وثانيا أنّا سلمنا ارتفاع الإباحة والطّهارة الخاصة بانتفاء الشّرط لكن بهذا لا يصدق تحقق المفهوم بل لا يصدق إلاّ بانتفاء مطلق الإباحة والطّهارة عند انتفاء المقدم كما سيظهر إن شاء الله وبالجملة فظهر أنّ المفهوم إذا كان مخالفا للأصل فالأصل عدمه نعم لو كان موافقا للأصل كان مقتضاه ثبوته والله يعلم فوائد أحدها لا ريب أنّ الحكم إذا ثبت لموضوع خاص بجعل خاص انتفى بانتفاء موضوعه بمعنى أنّ ذلك الخطاب لا يقتضي ثبوت الحكم لغير ذلك الموضوع فلو قال أكرم زيدا لم تقتض وجوب إكرام عمرو بهذا الخطاب ولكن انتفاء هذا الخطاب عند انتفاء الموضوع ليس للمفهوم وأيضا لو كان الحكم المنجعل لذلك الموضوع غير قابل لجعل آخر بالنّسبة إلى الموضوع الآخر فانتفاؤه عن غير ذلك الموضوع ليس مفهوما كما لو قال وقفت الدّار على الفقراء فعدم صحة وقفها على غيرهم إنّما هو لعدم إمكان وقف ما هو وقف لا لاقتضاء المفهوم بل المفهوم إنّما هو انتفاء نوع ذلك الحكم عن غير ذلك الموضوع بأن لا يمكن ثبوته له ولو بخطاب آخر