لأنّه إمّا مطابق للواقع أو مخالف وعلى الأوّل لا ريب أنّ الأمر الواقعي مسبب عن المصلحة الكائنة في الشّيء مع قطع النّظر عن الاعتقاد والاعتقاد مرآة وطريق صرف إليه وعلى الثّاني لا يمكن أن يكون سببا لحصول الأمر لأنّ الكلام إنّما هو في الغافل وتكليف الشّخص بعنوان فرع علمه بدخوله تحت ذلك العنوان أو الشّخص ما دام جاهلا بالجهل المركب لا يعلم دخوله تحت عنوان الجاهل حتى يكون مكلفا بالعمل بمعتقده وأمّا صحة عمل ناسي بعض أجزاء الصّلاة فإنّما هو لقيام الدّليل على أنّ جزئيّة ذلك الجزء مختصة بحال الذّكر فليس جزءا حال النّسيان فالمأمور به هو ما تذكره من الأجزاء فيمكن تعلق الأمر به بعنوان كونه ذاكرا للأجزاء وإن لم يمكن أمره بعنوان كونه ناسيا لا يقال إنّ مخالفة ما اعتقده تحتمه تجرّي وحرام فيكون مأمورا به وأيضا إتيان ما اعتقد وجوبه إطاعة ومخالفته معصية عرفا والإطاعة وترك المعصية مأمور به عقلا وكل ما حكم به العقل حكم به الشّرع فيتحقق تعدد الأمر ويتحقق الإجزاء لأنّا نقول حرمة التّجري لا توجب ترتب العقاب على الفعل بل هو إنّما يترتب على ما يكشف عنه الفعل من سوء سريرة العبد ولا دليل على أكثر من ذلك فلا يثبت كون العمل المعتقد وجوبه مأمورا به شرعا وأمّا وجوب الإطاعة فهو إرشادي سواء كان من الشّرع أو من العقل والمراد بالأمر الإرشادي ما لا يترتب عليه شيء سوى ما يترتب على متعلقه بخلاف الأمر التّشريعي فإنّه ما يترتب عليه الثّواب والعقاب كالأمر بالصّلاة فإنّه يترتب عليه الثّواب والعقاب والأوّل كالأمر بالطّاعة فإنّه لا يمكن كونه تشريعيّا فإنّ معنى الطّاعة إتيان المأمور به فالأمر التّشريعي إن كان سببا لاستحقاق الثّواب والعقاب فلا ريب أنّ نفس الطّاعة مما يترتب عليه الثّواب لأنّه إتيان المأمور به فلا حاجة إلى الأمر بها وإن لم يكن سببا لم يكن الأمر بالطّاعة أيضا سببا له لأنّه لا يزيد عن الأمر المتعلق بأصل العمل والحاصل أنّ تطابق العقل والشّرع إنّما هو في شيء قابل للتشريع كحرمة الظّلم مع أنّ حكم العقل هنا أيضا إرشادي وبالجملة الأمر الإرشادي ليس أمرا في الحقيقة وإنّما هو إرشاد وتنبيه إلى ما يترتب على متعلقه سلمنا وجوب الطّاعة شرعا فإثباته بصدق الطّاعة دور ظاهر وصدق الطّاعة عرفا غير مسلم إذا أريد بالطّاعة إتيان المأمور به وإن أريد بها كون الشّخص منقادا وموطنا على الامتثال فصدقه مسلم لكن وجوبه عقلا غير مسلم ولو سلم جميع ذلك لم يثبت الإجزاء لأنّ غاية الأمر كونه مأمورا بإتيان المعتقد وأمّا كونه من جملة شئون التّكليف الواحد بحيث يكون المطلوب القدر المشترك بين المعتقد وبين الواقع فيحتاج إلى دليل آخر وهو مفقود فيبقى الأمر الواقعي بحاله فإن علم به في الوقت وجب الامتثال وكذا إن علم به خارج الوقت إن قلنا بتبعيّة القضاء وإلاّ فيحتاج إلى أمر جديد
المقام الثّاني
في الأمر الظّاهري الشّرعي المقتضي للحكم الظّاهري والحكم الظّاهري قد يقال علي الحكم المستفاد من الأصول العمليّة وهي البراءة والاحتياط والتّخيير والاستصحاب وقد يقال على الحكم الّذي في موضوعه الجهل بالواقع وبعبارة أخرى الحكم المستفاد من أصل أو أمارة معتبرة شرعا وهذا المعنى أعمّ من الأول لشموله الأدلة الاجتهاديّة أيضا كأخبار الآحاد ونحوها فالحكم الظّاهري قسمان مدلول