واجبا مخيّرا
بالنسبة إلى الزّمان وفيه نظر لأنّه إن أراد بالتّخيير أنّه مخيّر بين نفس الغسل
في الأوّل والآخر ففاسد لأنّ الغسل في الأوّل لا مدخل له أصلا إذ المناط وجود
الطّهارة في أوّل الصّبح وإن أراد به أنّه مخيّر بين الغسل في الآخر والغسل في
الأوّل مع إبقاء الطّهارة إلى الصّبح فلا ريب أنّه ليس كذلك لأنّه يجوز له تركهما
معا بأن يغتسل في الأوّل ثم يجنب ثانيا فإنّه بالنسبة إلى الجنابة الأولى ترك
الغسل في الجزء الأخير وفي الأوّل مع الإبقاء فالغسل مع الإبقاء في غير الجزء
الأخير يجوز فعله وتركه وهو ينافي الوجوب لا يقال إنّه إن تركه بأن أجنب ثانيا
فالغسل الثّاني من جملة أفراد الواجب المخيّر فالتّخيير إنّما هو بين ثلاثة الغسل
في الجزء الأخير والغسل في الأوّل مع الإبقاء وترك الإبقاء والغسل ثانيا لأنّا
نقول الغسل ثانيا ليس في درجة الإبقاء حتى يكون الشّخص مخيرا بينهما بل هو مترتب
على ترك الإبقاء فهما بمنزلة الصّوم والسّفر فإنّ الشّخص ليس مخيّرا بينهما بأن
يكون السّفر أحد فردي المخيّر والصّوم أحد فرديه بل ترك الصّوم مترتب على السّفر
فهو مخيّر بين الإبقاء وعدمه لكن إذا لم يبقه بأن أجنب ثانيا وجب عليه الغسل
الجنابة الثّانية فالوجوب التّخييري غير معقول بعد فرض أنّ المقدمة هي الطّهارة في
الصّبح نعم لو قلنا إن الواجب رفع الجنابة الشّخصيّة والمكلّف مخير بين رفعه في
أوّل الليل أو آخره فلو رفعه في الأوّل ثم أجنب توجه تكليف مخيّر آخر بالنسبة إلى
رفع الثّاني صح ما ذكروه من التّوسعة لكنّه لا دليل عليه بل الواجب الكون على
الطّهارة في الجزء الأخير فإن لم يتطهر في الأوّل وجب عليه إحداثه وإن أحدثه أوّلا
كان نفلا إلى أن يصل الجزء الأخير فيصير إبقاؤه واجبا فيصدق أنّه مجموعه عمل نفل
إذ لا ينافي استحباب العمل وجوب إتمامه كالاعتكاف فإنّ استحباب مجموعه يصدق بعدم
جواز عدم الدّخول فيه وإنّ لم يخبر قطعه بعد الدّخول وكان إتمامه واجبا عينيّا
كالاعتكاف أو تخييرا كالوضوء إذا شرع فيه قبل الوقت ودخل الوقت في أثنائه فنقول
إنّ مجموعه مستحب فينوي الاستحباب عند الشّروع وإن علم بأنّ الوقت يدخل قبل الفراغ
منه فإذا دخل الوقت وجب عليه الإتمام بالوجوب التّخييري بينه وبين الوضوء في
الزّمان المتأخّر هذا كله على القول بوجوب مقدمة الواجب المشروط قبل وجوبه وأمّا
على المختار من عدم صحة ذلك فيمكن أن يقال إنّ الواجب الّذي يكون زمان وجوبه عين
زمان عمله لا يمكن القول بوجوب المقدمة فيه بعد حصول الشّرط لأنّه زمان ذي المقدمة
فلا محالة يكون زمان الوجوب أوسع من زمان الفعل بقدر إتيان ذلك المقدمة لا أزيد
بحكم العقل كذا قيل وهو محل الكلام لأنّ العقل لا يفرق بين الجزء الأخير والأوّل
إن ثبت أنّ رفع الجنابة الشّخصيّة مقدمة نعم لو ثبت كون المقدمة الكون على
الطّهارة في الصّبح أمكن إثبات المضايقة بما مر من أنّه لا يمكن فرض الوجوب
التّخييري وقد عرفت وجهه ونزيد هنا أنّه كما أن الشّخص الطّاهر في الليل ليس مكلفا
بأحد الأمرين إبقاء طهارته والغسل إن أجنب بل ليس مكلفا بشيء أصلا كذا الجنب في
أوّل الليل إذا اغتسل لم يكن مكلفا بإبقاء طهارته تخييرا فإذا دخل الجزء الأخير
وجب إبقاء الطّهارة إن كان متطهرا