ذلك كونها جزءا من اللّفظ كما أنّ الواحد جزء العدد وليس من العدد فتأمّل فإن قلت قد ذكر البيانيّون أنّ التّمثيل عبارة عن المجاز في المركب كقولهم في الصّيف ضيّعت اللّبن وقولهم للمتحير أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى وذكروا أنّ التّجوز في المذكورات ليس في المفردات ولا في الهيئة بل إنما هو في المجموع المركب حيث شبه تردد القلب في شيء بتقدم رجل وتأخر أخرى واستعمل المركب في ذلك المعنى وعلى هذا يكون استعارة أو أن تقدم رجل وتأخر أخرى لازم لتردد القلب غالبا فاستعمل اللازم وأريد به الملزوم وعلى هذا يكون مجازا مرسلا وكيف كان إذا لم يكن لمجموع المركب معنى موضوع له فكيف يوصف بالمجاز وليس المجاز إلاّ الكلمة المستعملة في غير الموضوع له لمناسبة الموضوع له قلت الظّاهر أنّهم تسامحوا في تعريف المجاز وأنّه يجب تعريفه بحيث يشمل ما اصطلحوا عليه من المجاز في المركب وهو استعمال المركب في معنى يناسب مجموع معاني مفرداته على التّطبيق وهذا اصطلاح لا يستلزم كون المركب بمجموعه موضوعا للمجموع لما عرفت من فساده جدا ثم الحقيقة بحسب اختلاف الواضعين تنقسم إلى لغوية وعرفية وشرعية فاللّغوية ما كان واضعه واضع اللّغة والعرفية ما كان واضعه أهل العرف عموما فعام أو خصوصا فخاص والشّرعية ما كان واضعه الشّارع كذا قيل ويشكل بأن الوضع الشّرعي إن كان تعيينيا فقد دخل الشّرعية في اللّغوية بناء على أن واضع اللّغات هو الله سبحانه كما أنه هو الشّارع وإن كان تعيّنيّا فقد دخل في العرفية إذ صار حقيقة بسبب كثرة الاستعمال في العرف ويمكن الجواب بأن اللّغوية ليست عبارة عما كان واضعه واضع اللّغات بل هذا مع زيادة حصوله في الصّدر الأول والعرفية العامة عبارة عما لم يكن وضعه مختصا بطائفة مخصوصة أو صناعة خاصة وإلاّ فعرفية خاصة وحينئذ فإن قلنا بأنّ الوضع في الحقائق الشّرعية تعييني كانت قسيما برأسها لعدم دخولها في اللّغوية وإن قلنا بأنه تعيني صارت قسما من العرفية الخاصة وتخصيصها بالذكر لمزية شرفها والظّاهر الأول لأنّ ثمرة النّزاع إنما يظهر بناء عليه إذا الوضع التّعيني لا يثمر في الحمل عليه بلا قرينة مع جهل تاريخ الاشتهار بخلاف التّعييني فإنه يحمل عليه وسيجيء تحقيقه إن شاء الله ثم إنّه هل يشترط في اللّغوية الأولية وعدم المهجورية الأظهر لا فالمنقول منه والمنقول كلاهما حقيقة لغوية وكذا المشترك اللّغوي وإن ترتب وضعه للمعاني فالمتأخر أيضا حقيقة لغوية لأن غالب الألفاظ اللّغوية مشتركة فلو لم يكن الحقيقة إلاّ الأولى لم يكن جميع المعاني حقيقة لثبوت التّرتّب غالبا وليس كذلك بل المشترك حقيقة في جميع معانيه وهل يشترط في العرفية تحقق اللّفظ في اللّغة وحدوث الوضع عرفا أو لا يضر حدوث اللّفظ أيضا في العرف والظّاهر أنّه ليس في الألفاظ