وكان الموالي يتحركون نحو الثورة بدافع من الرغبة في تغيير واقعهم السئ بواقع عاشوه في أيام الامام علي ، مع وجود قلة فيهم ، يمثلها الشهداء منهم ، تحركت نحو الثورة بدافع من وعي صادق ومصيب لحقيقة الاسلام ، وإدراك لما يمثله النظام الاموي من انحرافات.
على أن ما حدث بعد ثورة الحسين بسنوات قليلة يكشف عن عمق صلة الموالي واتساعها ، فعندما نهض المختار بن أبي عبيد الثقفي (١) في الكوفة رافعا شعارات حماية المستضعفين ، والاخذ بثارات الحسين وأهل البيت الآخرين ، التف حوله العرب والموالي معا ، وقد تخلت عنه بعد ذلك الاكثرية العظمى من العرب لانها رفضت سياسته المالية والاجتماعية بالنسبة إلى الموالي ، فإن هؤلاء الموالي قد ثبتوا معه إلى النهاية الاليمة في وجه الحكم الزبيري الذي لم يكن أقل فظاظة وتمييزا بين الناس من الحكم الاموي (٢).
نستطيع أن نقول : إن الموالي في سنة ستين للهجرة كانوا في
___________________
(١) قاد أبوه معركة الجسر ، عند البويب في النخيلة ، التي خسرها المسلمون أمام تفوق الفرس ، وقتل في المعركة. كانت زوجة المختار عمرة بنت النعمان بن بشير الانصاري ، قتلها مصعب بن الزبير بعد القضاء على ثورة المختار. وكان للمختار بيت في الكوفة نزل فيه مسلم بن عقيل ، وكان له بالقرب من الكوفة ضيعة.
أعلن المختار ثورته في الكوفة صباح الاربعاء ١٣ ربيع الاول سنة ٦٦ ه (١٨ تشرين الاول ـ أكتوبر سنة ٦٧٥ م) وقضي على الثورة بقتل المختار في الكوفة مع فريق انتحاري من أصحابه في يوم ١٤ رمضان سنة ٦٧ ه (٣ نيسان ـ ابريل سنة ٦٨٧ م) وكان عمر المختار حين قتل سبعا وستين سنة.
(٢) أرسل المختار ـ إلى المدينة ـ بالاتفاق مع عبد الله بن الزبير ـ جيشا قوامه ثلاثة آلاف كلهم من الموالي تحت إمرة شرحبيل بن ورس الهمداني ليشتركوا في مقاومة أهل الشام ، مع جيش ابن الزبير المؤلف من ألفي جندي بقيادة عياش (عباس) بن سهل بن سعد الانصاري. ولكن عياشا هذا دبر للجيش الحليف ـ بالاتفاق مع عبد الله بن الزبير ـ مذبحة قضت عليه.