ويستحلون لفقرهم وفاقتهم وجهلهم وقساوتهم وأد بناتهم ، ولا يمنعهم عن الرذيلة مهما بلغت إباء أو شمم ، غير طمع أو فزع.
فكأن العصور المتمادية والأصقاع القريبة والنائية ، بعد طول العسر وشدة القسر ، قد جمعت ما فيها من فضيلة وحسن ، وكمال وجمال في هذه الموهبة العظمى ، التي شاء الله سبحانه عزوجل لها أن تبزغ على العالم أجمع من هذه الديار ، فتتلبس في عالم جسماني يودع في عبد المطلب لينشطر الى قسمين يعودان بعد بضع سنوات لاتحادهما الروحي ، .. محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وعلي عليهالسلام .. جسمين في روح واحد يشد أحدهما أزر الآخر مادة ومعنى ، شدا لا ينفصم ، فيكون الأول نبيا والثاني وصيا ووزيرا ، وعلى اكتافهما تقام أرقى حضارة عرفها البشر ، وأجل دين وعقيدة كان لها أن تبعث بالبشرية لأقصى ما ترجوه من السعادة. قائمة على المنطق السليم والنهج القويم ، تلك التي كان يحلم بها ويتمناها أعظم فلاسفة العالم وحاروا في الوصول إليها ، كسقراط وافلاطون وأرسطو ومن سبقهم وتلاهم ،
فصدع صلىاللهعليهوآلهوسلم بأمر من الله سبحانه ليؤسس من أمة مستضعفة إمبراطورية قوامها الإيمان بالله ، مستندة إلى العقل والمنطق السليم ، تؤيدها الإرادة والاخلاص ، وضع هو صلىاللهعليهوآلهوسلم مناهجها وأسسها ، وأكملها وأتمها الله بعترته أهل بيته عليهمالسلام ، وفي طليعتهم ابن عمه على بن أبي طالب عليهالسلام خليفته من بعده ، شقيق نفسه وباب علمه وحكمته وتدبيره ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد دعا إلى الله : «إني تارك فيكم الثقلين ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي» وأوضح لهم السبيل ، وأقام لهم الدليل ، وبين لهم النهج ، فكان علي عليهالسلام وصيه وأخاه ووزيره وخليفته ، وباب علمه وسفينة نجاة أمته ، والميزان الفارق بين المؤمن والمنافق ، يعسوب الدين وإمام الغر المحجلين ، قدوة المتقين وحبيبه وحبيب إله العالمين ومولى كل مؤمن ومؤمنة.