الثانى : أنّ الصورة الثانية هي المطلوب إثباتها وبيان تجرّدها فينتقل الكلام إليها.
الثالث : أنّ كلّية الصورة العقلية ليس باعتبار صورة أخرى منتزعة عنها بل باعتبارها في نفسها ومطابقتها لأىّ فرد فرد سبق إلى العقل بحيث لا يكون للوارد من الأفراد تأثير في زيادة ذلك المعقول أو نقصانه. بل الأولى أن يقال : كما أنّ الصورة العقلية الكليّة إذا حلّت في نفس جزئية تخصّصت بها ولا يضرّ ذلك كلّيتها حيث إنّ التخصيص عرض لها باعتبار الحلول لا باعتبار الأفراد المندرجة تحتها فانّ الأفراد بعينها تلك الأفراد ، إذ لم يخرج بعضها عن الاندراج باعتبار ذلك المخصّص كذلك إذا كانت حالّة في مادة مخصوصة. انتهى كلام العلامة.
وأقول : يعنى بالجسم المتعقل ، النفس الناطقة. ولا يخفى عليك أنّ التعقل لو كان للجسميّة المشتركة لوجب أن يكون كل جسم من حيث هو جسم عاقلا متعقلا وهو زهوق بالضرورة ، إلّا أن يدّعى أنّ النفس جسم مخصوص يمتازه عن غيره بتلك الخصوصية ويصحّ له التعقل ، وهو كما ترى. نعم يجوز إطلاق الجسم بمعنى المتحقق بذاته والمتقرر القائم بنفسه على النفس وما فوقها كقولهم تجسم الأعمال والنيات وفي النظم الفارسي :
دگرباره به وفق عالم خاص |
|
شود أعمال تو أجسام واشخاص |
والجسم بهذا المعنى هو الجسم الدهرى ، وكذلك التجسم أعنى تجسم الأعمال والنيّات هو التجسم الدهرى. والدهر روح الزمان لا تناله أحكام الزمان والزمانى فانّها متصرمة زائلة بائدة ، والدهر باق ببقائه الأبدى بلا تصرّم وزوال فافهم. والجسم بهذا المعنى هو فوق ما هو المصطلح في الكتب الفلسفية وأعم منه ، ولا يعنيه الكاتبى في المقام بلا كلام.
ثمّ إنّ الصورة المدركة إن كانت جزئية كصورة شجرة شخصية ، لا يمتنع أن يكون لتلك الصورة الشخصية أفراد كثيرة في الخارج. فهذه الصورة كالكلّى لا يمتنع فرض صدقها على كثيرين إلّا أن يدّعى بأنّ الأين والمتى وأترابهما من المشخصات أيضا. وسيأتي في العين الثالثة والثلاثين أنّ التجريد عن العوارض المقارنة للماهية ليس من