المقدم في بيان هذا البرهان.
واعلم أنّ البرهان المذكور جعل في المباحث الفخرية أربعة أجزاء على تحرير آخر كما أومأنا إليه ، وكذلك كان على وزانه ما في الأسفار ، وبعد كل جزء أوردا بعض اعتراضات وأجابا عنها ، وصاحب الأسفار ناظر إلى كلمات صاحب المباحث في التجزئة والاعتراضات والجواب عنها إلا أنّه جعل الجزء الرابع مسلكا آخر على ما نحقّقه ونبيّنه ، وهذا الجزء هو الوجه الثالث في بيان أنّ الصور العقلية يمتنع أن تحلّ شيئا منقسما من الجسم ، والأصل فيهما كلام الشيخ في الشفاء حيث قال في آخر البرهان : «وأيضا ليس كل معقول يمكن أن ينقسم إلى معقولات أبسط إلخ» نعم لصدر المتألهين في أثناء تقرير البرهان دقائق وحقائق خاصّة ، فنقول :
انّ الفخر في المباحث بعد الجزء الأوّل من تقرير البرهان وأنهاه إلى امتناع كون النقطة محلا للصور العقلية ، أورد اعتراضا على أنّ النقطة يمتنع أن تكون محلا للصور العقلية ثمّ أجاب عنه بقوله :
ولقائل أن يقول : سلّمنا أنّه ليس للنقطة امتياز عن المقدار الذي هي نهايته لكن لم قلتم انّه لا يحل فيها الأطراف ما يكون حالا في ذلك المقدار وما البرهان على ذلك فإنّه ليس ذلك من الأوليات؟ ثمّ انّ ذلك منقوض بالألوان فإنّها لا توجد عندكم إلّا في السطوح ، ولا حصول لها بالفعل في أعماق الجسم؛ وكذلك النور والضوء لا يوجدان إلّا في السطوح؛ وكذلك المماسة والملاقاة لا تحصل إلّا في النهايات؛ وكذلك الملاسة والخشونة لا تحصل إلّا في السطوح ، فبطل قولكم انّ النهايات لا يحل فيها إلا نهايات ما هي حالة في المقادير.
فالمعتمد في إبطال هذا القسم أن نقول : النقطة مما لا يعقل حصول المزاج لها حتى يختلف حال استعدادها في القابلية ، بل إن كانت قابلة للصور العقلية وجب أن يكون ذلك القبول حاصلا لها أبدا فلو كان القبول حاصلا أبدا لكان المقبول حاصلا أبدا لما علمت أنّ المبادى المفارقة عامة الفيض فلا يتخصّص فيضها إلّا لاختلاف القوابل فلو كان القابل تام الاستعداد لكان المقبول واجب الحصول ولو كان كذلك لكان جميع