لأنّها فوق هذه
النشأة ووراءها. والأشباح المثالية هي من المجرّدات والمفارقات بالحكم البتيّ من
ألسنة الحجج البالغة الآتية على ذلك؛ والمقارن هو الجسم والجسماني الطبيعيان ، وهو
قابل للإشارة فله الوضع. ولا تنافي بين كون تلك الأشباح البرزخيّة أي الأجسام
المثالية ذات أشكال ومقادير ، وبين كونها من المفارقات. وقد توصف المفارقات
بالعقلية تمييزا عن المفارقات المثالية. فتبصّر.
وبعضها ناظر إلى تجرّدها التام العقلي. وهي
أدلّة اعتبر فيها إدراك الحقائق البسيطة الكلّية. وإطلاق التامّ عليه أنّما هو
بالنسبة إلى التجرّد الأوّل البرزخي.
وبعضها ناظر إلى فوق تجرّدها العقلي ، بمعنى
أن ليس للنفس الإنسانية مقام معلوم في الهويّة ، ولا لها درجة معيّنة في الوجود. وبعبارة
أخرى ليس لها حدّ تقف إليه ومقام تنتهى إليه. ويعبّرون عن هذا المعنى أيضا بأنّها
ليس لها وحدة عدديّة ، بل لها وحدة حقّة حقيقيّة ظلّية.
وببيان
آخر : أنّ النفس لمّا كانت ذات أطوار وشئون
فتارة يبحث عنها في مقامها الطبيعي وأحكامها العنصرية من حيث إنّ البدن مرتبتها
النازلة؛ وتارة يبحث عنها من حيث تجرّدها الإطلاقى أي أنّها غير جسم على الإطلاق؛ وتارة
يبحث عنها في مقامها الخيالى وأحكامها البرزخية والمثالية أي يبحث عن تجرّدها
البرزخى؛ وتارة يبحث عنها في مقامها العقلانى ، ومن أحكامها في هذا المقام تجرّدها
العقلى؛ وتارة يبحث عنها في مقامها الذي هو فوق التجرّد العقلانى ، ومن أحكامها في
هذا المقام أنّ النفس لا تقف في حدّ.
وتلك الأدلّة قد يكون مفاد بعضها قريبا
من الآخر كأنّهما دليل واحد بتقريرين؛ أو أنّ أحدهما مستفاد من الآخر ومستنبط منه
يمكن جمعهما في تقرير واحد. ثمّ من تلك الأدلّة القريبة المضامين يفيد بعضها تجرّد
النفس تجرّدا برزخيا مثاليا ، وبعضها تجرّدا تاما عقليا بإضافة بعض القيود والاعتبارات
في دليل ذلك ، وإضافة بعض آخر في دليل هذا؛ وسنشير إلى طائفة منها في تضاعيف نقل
الأدلّة وبيانها. وأمّا الأدلّة على تجردها فهي ما نتلوها عليك على الترتيب
المذكور أعنى ادلّة تجرّدها على الإطلاق ، ثمّ تجرّدها البرزخى ثمّ تجرّدها التام
العقلى ، ثمّ فوق تجرّدها العقلى ، ثمّ نقل الأدلّة النقلية :