فإن كانت الحرارة
حرارتها ، لم تحس بها لأن الشيء لا يحصل فى الشيء مرتين؛ فالحرارة الحاصلة فيها
شبيهة بالطارئة عليها. فإذا زادت عليها تأثرت اليد منها فلا يكون الحاصل فيها
مثلها.
الأشياء إما أن يكون وجودها لها أو
وجودها لغيرها. فالمفارقة وجودها لها ، فلذلك تدرك ذواتها ، والنفس وجودها لها
فلذلك تشعر بذاتها وتدركها. والآلات الجسدانية لا لذواتها كالعين مثلا بل لغيرها وهى
القوة الباصرة فلذلك لا تدرك ذاتها وليس كذلك النفس :
المحسوسات توافى الحواس وتنطبع فيها ، والشك
فى الحاسة المبصرة هل ينطبع فيها المبصر أم يخرج منها شعاع إلى المبصر. ولو كان
يخرج منها الشعاع لكان يجب أن يكون ما يبصر أكثر من قدره فى الحقيقة لأن الشعاع
الواقع عليه ينتشر فيه. ـ المبصر إما أن يكون المؤدى له الهواء أو الماء. فإن كان
المؤدى له الهواء لا يكون الهواء مرئيا معه فيجب أن يكون قدر ما يحصل منه فى البصر
لا يكون زائدا عن حقيقته. وذلك يختلف بحسب القرب والبعد فإن القرب يجعله أكبر والبعد
أصغر لأن القاعدة تكون المبصر ، والزاوية تكون فى البصر ، وإذا بعد المبصر تكون
الزاوية أحدّ ـ وإن كان المؤدى له الماء فيجب أن يكون قدر الحاصل منه فى البصر
أكبر لأن المبصر ينتشر فى الماء ويكون الماء مرئيا فتكون القاعدة حينئذ جزءا من
الماء الذي انتشر فيه ذلك المبصر ثم يمتد إلى البصر على خطين من جرم الماء فتكون
الزاوية أعظم. والمرئى فى المرايا إنما يحصل فيها صورة المبصر بقدر جرم المرآة ثم
ينعكس منها إلى البصر فيكون على زوايا مختلفة.
الإدراك هو حصول صورة المدرك فى ذات
المدرك. وفى الإدراك بالحواس يكون هناك فعل وانفعال لا محالة. فنحن إذا أدركنا ذواتنا
فإنما يكون المدرك لها نفوسنا التي لا تنفعل البتة لا أمزجتنا وأبداننا فلا تكون
مدركة لها بآلة بل تدركها بذاتها. فإنها إن كان المدرك لها مزاجا فالمزاج قد انفعل
عند إدراكها وتغير ، فيكون غير ثابت ولا باق على حالته التي كانت له قبل الإدراك
فيجب أن يكون المدرك لها شيئا ثابتا وهو النفس الذي هو كماله.
النفس ليس بمزاج فإنه إذا تغير عن صحته واعتداله
فإنه لا يحسّ بتغيره وهو غير باق على صحته بل قد تغير؛ فيجب أن يكون المدرك لتغيره
شيء ثابت (٢٣ ا) هو النفس الذي هو كماله. وكذلك إذا تفرق الاتصال لا يحس به المزاج
وهو قد تفرق اتصاله وتغير بل يكون المدرك له شيئا ثابتا غيره وهو النفس ، وكذلك
القوى التي فى أجسامنا إذا تحركت