كل نوع أن لا يوجد إلا شخصا ، وكانت شخصية المفارقات فى ذواتها وكانت شخصية المخالطات بالمادة ، وجب أن لا يصح شىء من الماديات إلا فى المادة. فالمادة كأنها علة لوجود لازم للصورة وهو الشخصية ، ووجود الصورة فى الهيولى هو وجودها فى ذاتها ومعنى ذلك أن وجودها (١١٩) (١) مقارن لوجود الهيولى ، فليست الصور ولا الأعراض يصح عليها الانتقال.
هذه المادة جزء من شخصية الصورة ، إذ هى مقومة لشخصيتها ، ولما كان إمكان وجود الصورة فى الهيولى على أن يكون وجودها فى نفسها هو وجودها فى الهيولى صارت الهيولى ضرورية فى وجود الصورة ومقوّمة لشخصيتها ، ومعينة لها. وهاهنا نكتة أخرى وهى أن الموضوع كما أنه بالفعل فيصير واسطة على ما ذكرنا ، فهو أيضا قابل ، والصور واسطة ، لكن القابل غيرها وهو الهيولى.
هذا النوع من الصور تشخصه بهذا النوع من الهيولى.
التشخص هو أن يتخصص الشىء بصفة لا تقع فيها شركة مثله فى الوجود. فأى نوع صح وجوده بحيث لا تقع فيه الشركة كان نوعه فى شخصه ، وأى نوع لا يصح وجوده كذلك اختلفت أشخاصه وتكثرت.
المعانى التي لا تتناهى يصح أن تدركها عقولنا شيئا بعد شىء ، وليس يلزم النفس إذا عقلت شيئا أن تكون تعقل معه الأمور التي تلزمها لزوما قريبا وإن كانت موجودة أيضا ، كالحال فى مناسبات الجذور الصّمّ وفى إضافات الأعداد وما أشبهها فإن هذه كلها موجودة مع الأعداد ، وليس يلزم النفس أن تعقلها مع الأعداد بالفعل بل بالقوة القريبة. فإن كان هاهنا فاعل للمعقولات ، وهو بالفعل من جميع الوجوه ، فيجب أن ندركها معا ، إذ لا يصح فيه القوة. ومن شأن تلك المعانى أن تحصل له أو منه ، فليس يتوقف إدراكه لها إلى وجود شىء آخر ، وكذلك المناسبات التي لا نهاية لها والإضافات التي لا تتناهى. ولكن يجب أن تكون المعانى محصورة من وجه ، وغير متناهية من وجه ، وعلى ما ذكر فى مواضع.
لو كانت الصورة العقلية فائضة عن الأول ، لا معا ولا دفعة واحدة بلا زمان ، بل شيئا بعد شىء ـ لم تكن معقولة بالحقيقة بل كانت مادية إذ كانت تكون بعد ما لم تكن ، وكانت حادثة. ولو كان هو لا يدركها بالفعل معا بل شيئا بعد شىء لكان فيه أيضا قوة تقبل الأشياء بعد ما لم تقبلها وكان ماديا.
________________
١) هذه أرقام أوراق المخطوط رقم ٦ م حكمة وفلسفة بدار الكتب المصرية.