المعقول من كل شىء مجرد ماهيته التي له والتي
عليها وجوده ، والمعقول من هذا الشخص ماهيته مع عوارضه وخواصه التي تقوّم بها وتشخص
، وليس هو الصورة المحددة وحدها. فإن هذا الإنسان ليس هو ما هو بالإنسانية المحددة
بل بمجموع الصورة والمادة والأعراض التي تشخص بها من كميته وكيفيته ووضعه وغير
ذلك. فمعقول الشخصى ومحسوسه متطابقان ، لأنه لو لم يتطابقا لم يكن معقوله.
والمعقول من الشمس هو ماهيته مع عوارضه ولوازمه ومقداره الذي كان
يمكن أن يكون أكبر منه أو أصغر ، وحرارته التي كان يمكن أن تكون أشد منه أو أنقص ،
وشعاعه الذي كان يمكن أن يكون أشد منه أو أنقص فكونه فى الفلك الرابع ، وقد كان
يمكن أن يكون فى الفلك الأعلى ، فمعقوله يطابق محسوسه فى الوجود.
قوله : «أربعتها» إلا واحدا منها الذي
لا يمكن القول به فإن المبدأ الفاعلى وهو البارى لا يجوز أن يكون موضوعا لهذا
العلم.
الشىء من حيث يصدر عنه فعل ما ـ هو غيره
من حيث يصدر عنه فعل آخر؛ فيكون الحيثان مختلفين والجهتان مختلفتين ، فإذا كان
الشىء البسيط من حيث يصدر عنه هذا الفعل يصدر عنه غيره ويكون من حيث يصدر عنه هذا
الفعل إذ هو غيره من حيث يصدر عنه ذلك الفعل الغير ، فإذن يصدر عن البسيط فعل واحد
، ولهذا يقول فى الأول إنه لا يصدر عنه إلا فعل واحد بسيط وهو اللازم للأول إذ لا
تركيب هناك ولا حيثان مختلفان. الأوائل تحصل فى العقل الإنسانى من غير اكتساب ، ولا
يدرى من أين تحصل فيه وكيف تحصل فيه.
العقول إذا اعتبرت تكون على ثلاثة أنحاء
: منها ما يكون بالقوة من كل وجه كالعقول الإنسانية ، فإن المعقولات فيها بالقوة ،
إلا الأوائل فإنها تحصل فيها بعد ترعرعه و
إذا قلنا : إنه كل شىء أى أن كل شىء فيه بالقوة وفى قوته أن يعقلها كلها. ومنها ما
يكون بالفعل من كل وجه وليس فيه البتة ما بالقوة كالبارى فإن علمه لذاته ولا تعلق
له بغيره ، ولذلك يقول إنه كل شىء أى أن يعرفها بالعقل. ومنها ما هو بالقوة من وجه
وبالفعل من وجه. ثم إنها تترتب فى ذلك بالأقل والأكثر والأزيد والأنقص فبعض العقول
يكون «بالقوة» فيه يسيرا وبعضها كثيرا ، وإنما قيل إنه «بالقوة» من وجه «وبالفعل» من
وجه : لأنه بالقياس إلى الأول عاقله لأن الأول يفيدها العقل والعلم كما أنه يفيدها
الوجود بتعلق علمها به فهى بالفعل من هذا الوجه؛ وبوجه اعتبار ذواتها يكون
________________