فى الخلق ، أعنى ما يتبع الخلق طلب كمال لم يكن لو لم يخلق. وهذا لا يليق بما هو واجب الوجود من جميع جهاته ، فإن قال قائل : إنا قد نعقل أفعالا بلا غرض ولا يكون لنا فيه نفع كالإحسان إلى الناس من دون أن يكون لنا فيه فائدة ، فكذلك يصح أن يكون واجب الوجود يخلق الخلق لأجل الخلق لا لغرض آخر يتبع الخلق كما نحسن إلى إنسان ـ قلنا إن مثل هذا الفعل لا يخلو عن غرض ، فإنا نريد الخير بالغير ليكون لنا اسم حسن أو ثواب أو يثنى هو أولى بأن يكون لنا من أن لا يكون بحسن يطلبه اختيارنا ، أو نكون قد فعلنا أمرا واجبا. وفعل الواجب فضيلة أو منقبة أو محمدة ، إن لم نفعل ذلك الواجب لم يكن لنا ما يتبعه من هذه الأشياء. وعلى كل حال فالغرض فائدة. وقد بيّنا أن الغرض هو السبب فى أن يصير الفاعل فاعلا بعد أن لم يكن. ولا يجوز أن يكون لواجب الوجود بذاته الذي هو تام ، أمر يجعله على صفة لم يكن عليها ، فإنه يكون ناقصا من تلك الجهة ، وتلك الصفة إما أن تكون فضيلة أو نقصانا. وعلى جميع الأحوال فإن ذلك لا يليق به : لا النقصان ولا التكميل. فقد عرف إرادة واجب الوجود بذاته وأنها بعينها علمه ، وهى بعينها عناية ، وأن هذه الإرادة غير حادثة ، وبيّنا أن لنا أيضا إرادة على هذا الوجه.
بيان قدرته : كما أن البارئ الأول إذا تمثل تبع ذلك التمثيل الوجود ، كذلك نحن إذا تمثلنا تبعه الشوق ، وإذا اشتقنا تبعه لتحصيل الشىء حركة الأعضاء. واعلم أن القدرة هى أن يكون الفعل متعلقا بمشيئة من غير أن يعتبر معها شىء آخر. والقدرة فيه عن علمه فإنه إذا علم وتمثل فقد وجب وجود الشىء. والقدرة فينا عند المبدأ المحرك ، وهى القوة المحركة لا القوة العالمة ـ والقدرة فيه خالية عن الإمكان ، وهو صدور الفعل عنه بإرادة فحسب ، من غير أن يعتبر معها وجوب استثناء أحد الجزءين ، لا أنه أراد ولا أنه لم يرد. وليس هو مثل القدرة فينا هى بعينها القوة ، وهى فيه العقل فقط. فإنه إن لم يعتبر على هذا الوجه كان فيه إمكان ، وواجب الوجود منزه عن ذلك. وكذلك إن لم يعتبر أن قدرته هى بعينها إرادته وعلمه كان فى صفاته تكثّر. فيجب أن يكون مرجعها إلى العلم كما كان مرجع إرادته إلى علمه. والإرادة فينا تابعة لغرض ، ولم يكن فيه لغرض البتة غير ذاته. والإرادة فينا تختلف لأن الأغراض فينا تختلف. وفى الأبديات والكواكب لا تختلف الأغراض ، فلا تختلف الإرادات ، فكأن أفعالها الصادرة عنها صادرة عن طبع لعدم الاختلاف فيها. وكذلك القدرة فيه مخالفة لقدرتنا ، فإنها فيه بغير إمكان وفينا بإمكان ، وإرادة الشىء غير تحصيله. فإن إرادة الشىء بالحقيقة