مثلا بغداد فيكون
المقصود واحدا ، ويحدث هذا القصد عن التصور الأول الذي يتصوره ، فيتحدد له فى كل
منزل ينزله تصور خاص. فتتبعه حركة إلى المنزل الآخر ، ويكون الأول علة لوجود ما
بعده ، حتى يوافى الغاية. وهذا التصور الثاني هو مثل التصور الأول ، نوعا لا شخصا
، فتصدر عنه حركة مثل الحركة الأولى نوعا لا شخصا. فلو كانا مثلين شخصا ، لكانا
واحدا ، وصدر عنهما حركة واحدة بالعدد. وكذلك الأمر فى التشخص ، فإن ما يشخص به
الإنسان مثلا ، وهو الاستحالة الأولى التي وافاه فيها الوجود ، هو واحد متصل ، إلى
أن ينتهى ويفنى. ولا يزال تتجدد عليه استحالة بعد استحالة ، وهى تابعة للأول ، وتكون
بالعرض أو بالقوة ، ويكون الأول بالفعل وبالذات ، وتلك كاللوازم عنه.
تعقل واجب الوجود لذاته سبب لصدور
الموجودات عنه ، وهو أحدىّ الذات والموجودات كثيرة ، فيجب أن تتكثر لوازمه. ويكون
أول ما يتكثر بالذات تلك اللوازم ، كما أنه يجب أن يكون هاهنا أول شىء يتخصص بذاته
ويتشخص بذاته ، وهو الإرادة الجزئية التي تكون للجسم الفلكى.
الإرادات علة للكائنات ، وكل كائن فعلته
إرادة ما. والإرادة تتخصص بذاتها ، فلا تحتاج إلى مخصص كما يحتاج سائر الحادثات
إلى مخصصات ، تخصص كل واحد من تلك المخصصات واحدة من تلك الحادثات دون ما يشاركها
فى نوعها. والإرادة ، وإن كانت حادثة ، فلا تحتاج إلى مخصص ، فإن كل ما يعرض مخصصا
يجب أن يسبق وجود إرادة ، فيؤدى ذلك إلى أن الإرادة تتخصص بذاتها.
كل ما لم يكن فى الزمان فلا يتغير ، إذ
التغير يلحق أولا الزمان ثم ما يكون فيه.
الآلة إنما جعلت للنفس لتدرك بها ، أو
تفعل ما ليس تدركه ، أو تفعله بذاتها. فلو كانت تدرك الأشياء بذاتها لم تعمل هذه
الآلة. وإنما أعين بالآلة لأنها فى كل شىء هى بالقوة لا بالفعل ، فبالآلة تخرج إلى
الفعل.
كل موجود إنما يصح وجوده بعد أن يسبقه
تصور عقلى أو خيالى. قد بان ذلك فى العلوم الإلهية ، وأنه لو لم يكن تصور لم يصح
وجود شىء ، إذ الموجودات كلها تابعة للتصورات العقلية ، وهى الإرادات بالحقيقة. وبان
فيها أيضا أن التصور العقلى لا يصدر عنه أمر شخصى يكون له نظير من نوعه ، بل إن
صدر عنه أمر كان كليا ، وذلك مثل النوع الكلى الذي يكون مجموعا فى شخص واحد. فيجب
أن يكون هاهنا تصور خيالى أو فى حكم الخيالى ، بسببه توجد حركات كثيرة ، وبالجملة
أشخاص من نوع واحد.