واحد منها هو الذي قصد ، أو أن يجاز له وحده أفضل الوجود دون غيره. فلذلك جعل له كل ما يبطل به كل ما كان ضارا له وغير نافع له ، وجعل له ما يستخدم به ما ينفعه في وجوده الأفضل. فإنا نرى كثيرا من الحيوان يثب على كثير من باقيها ، فيلتمس إفسادها ، وإبطالها ، من غير أن ينتفع بشيء من ذلك نفعا يظهر ، كأنه قد طبع على أن لا يكون موجود في العالم غيره ، أو أن وجود كل ما سواه ضارّ له ، على أن يجعل وجود غيره ضارّا له ، وان لم يكن منه شيء آخر على أنه موجود فقط. ثم إن كل واحد منهما ، إن لم يرم ذلك ، التمس أن يستعبد غيره فيما ينفعه ، وجعل كل نوع من كل نوع بهذه الحال ، وفي كثير منها جعل كل شخص من كل شخص في نوعه بهذه الحال. ثم خليت هذه الموجودات أن تتغالب وتتهارج. فالأقهر منها لما سواه يكون أتمّ وجودا. والغالب أبدا إما أن يبطل بعضه بعضا ، لأنه في طباعه أن وجود ذلك الشيء نقص ومضرّة في وجوده هو ، وإما أن يستخدم بعضا ويستعبده ، لأنه يرى في ذلك الشيء أن وجوده لأجله هو (١).
ويرى أشياء تجري على غير نظام ، ويرى مراتب الموجودات غير محفوظة ، ويرى أمورا تلحق كل واحد على غير استئهال منه لما يلحقه من وجوده لا وجود (لنفسها). قالوا : وهذا وشبهه هو الذي يظهر في الموجودات التي نشاهدها ونعرفها. فقال قوم بعد ذلك إن هذه الحال طبيعة الموجودات ، وهذه فطرتها ، والتي تفعلها الأجسام
_________________
١) الموجودات تتغالب على الوجود وينتصر الأتم وجودا.