وتحاكي ما في القوة النزوعية من انفعالات وشهوات بأفعال جسدية كالنكاح والصراخ والضرب والهرب.
وتحاكي المعقولات التي حصلت في القوة الناطقة مثل الله والملائكة والسماء بأحس المحسوسات وأكملها وأجملها.
وكما قدم الفارابي تفسيرا للأحلام قدم أيضا تفسيرا للنبوة ، فقال إنه باستطاعة المتخيلة إذا بلغت شأوا عاليا من القوة والكمال أن تتخلص من ربقة الحاسة والناطقة والنزوعية ، وأن تنطلق للاتصال بالعقل الفعال ، وتلقي الجزئيات والمعقولات منه أثناء اليقظة دون روية. وتحاكي ما يعطيه إياها العقل الفعال بما يشبهه من رسوم المحسوسات المرئية المختزنة عندها.
وتنتقل هذه الرسوم إلى الحاسة المشتركة ثم إلى القوة الباصرة أو العين فترتسم في الهواء ، وبعدئذ يعود ما ارتسم في الهواء فيرتسم في العين وينعكس من ثم إلى الحس المشترك ، وينتقل إلى المتخيلة.
فاذا كان ما يعطيه العقل الفعال للمتخيلة معقولات شريفة وكانت تمثيلاتها في المتخيلة في نهاية الجمال والكمال قال الذي يراها إن له نبوة بالأشياء الإلهية. وهذه هي أسمى المراتب التي تبلغها المتخيلة وهي رتبة الأنبياء.
والناس يتفاوتون في قوة متخيلتهم وقدرتها على قبول ما يفيض عليها من العقل الفعال. فمنهم من يرى هذا في نومه ، ومنهم من يراها في يقظته ، ومنهم من يرى الجزئيات دون المعقولات ، ومنهم من يرى المعقولات دون الجزئيات.
وقد تفسد المتخيلة أو تمرض فتركب أشياء ليس لها وجود أبدا ، وليست محاكاة لموجود ، كما هو الحال عند الممرورين والمجانين.
٤ ـ الأخلاق :
يعرج الفارابي على الأخلاق ولا يتوقف عندها طويلا بعد أن يحدد مبادئها من ارادة وسعادة وخير وشر وفضيلة ورذيلة باقتضاب شديد.