والظاهر أنّ مراده هو أنّه لا معنى للنجس ، إلّا ما أمر الشارع بإزالته أو اجتنابه ، ولا الطاهر إلّا ما لا تكليف فيه بأحد الأمرين.
فإذا حصل الاشتباه كان مقتضى الأصل هو الطهارة ، بمعنى براءة الذمّة من التكليف الواجب بواحد من الأمرين ، كذا وجّهه صاحب المعالم (١).
ونقل عن بعض من عاصره من مشايخه أنّه وجّهه بأنّ أصالة الطهارة لم ترد في نفس الدم ، بل فيما لاقاه ، على معنى أنّ طهارته إذا علم قبل ملاقاة هذا الدم المشتبه ، فالأصل بقاؤها ، إلى أن يعلم المقتضي لنجاسته ، وهو مع الاشتباه لا علم (٢).
ولا يخفى أنّ أصالة الطهارة ، وأصالة استصحاب الطهارة السابقة ، كلاهما موجودان.
أمّا الثاني ؛ فظاهر ، وأمّا الأوّل ؛ فلما عرفت من أنّه لا معنى للنجاسة شرعا إلّا وجوب الاجتناب عنه في الصلاة ونحوها ، فكذا لا معنى للطهارة شرعا إلّا عدم وجوب اجتناب أصلا بظاهر الشرع.
وقد عرفت الأدلّة الواضحة على ذلك ، وأمّا إذا علم يقينا أنّ في الثوب مثلا دم نجس قطعا ، ودم طاهر كذلك ، ولم يعرف شخصهما ، فهذه مسألة اخرى ، وحكمها عدم جواز الصلاة ونحوها جزما.
نعم ؛ إن لاقى شخص منهما طاهرا برطوبة ، فهل يحكم بنجاسته أم هو باق على طهارته؟ مقتضى الأصل الثاني ، كما مرّ في مسألة الإناءين المشتبهين (٣).
__________________
(١) معالم الدين في الفقه : ٢ / ٦١١.
(٢) معالم الدين في الفقه : ٢ / ٦١٠ و ٦١١.
(٣) راجع! الصفحة : ١٦٢ ـ ١٦٥ (المجلّد الخامس) من هذا الكتاب.