ألا ترى أنّ الآن لو شرب أحد لبنا وقع فيه بول الآدمي أو عذرته ، لم يكن عند المتشرّعة فرق بين هذا اللبن والذي ماتت فيه الفأرة ، أو السمن الذي ماتت فيه؟
واعتمادهم على نجاسة هذا اللبن الذي وقع فيه بول الآدمي أو الكلب أو الخنزير أو عذرتها إن كان على الحديث ، فمن المعلوم عدم تحقّق حديث يدلّ على ذلك. وإن كان من الإجماع فاعتمادهم عليه في هذا وفي اللبن الذي ماتت فيه فأرة ، أو وقع فيه قطعة من الكلب أو الخنزير ، أو غير ذلك على حدّ سواء ، من غير أن يكون في موضع موضع إجماع على حدة على حدة ، مع عدم حصر المواضع الخاصّة.
وإن لم يكن إجماع ، فكلّ ذلك حلال طاهر ، للأصل والعمومات. وتجويز الحليّة (١) فيه ما فيه.
وحجّتهم الاخرى رواية وهب بن وهب «ذلك الحرام محضا» (٢) ، وهي وإن كانت ضعيفة ، إلّا أنّها منجبرة بالقاعدة الثابتة في كلّ مائع ورطب بملاقاة كلّ نجس أو متنجس ، بالتقريب الذي ذكر ، وأنّها مسلمة عند الأوّلين في الجميع ، سوى مورد النص ، وهو اللبن الخارج من ضرع الحيوان المأكول اللحم الميتة ، من دون ملاقاة ميتة خارجة أو غيرها من نجس العين.
وكم من رواية ضعيفة تكون حجّة باعتبار الجوابر ، وكم من صحيحة لا تكون حجّة من جهة المانع ، وما ذكره المصنّف من أنّه اجتهاد في مقابل النص ، وإن
__________________
(١) في (د ٢) : الكليّة.
(٢) تهذيب الأحكام : ٩ / ٧٦ الحديث ٣١٥ ، الاستبصار : ٤ / ٨٩ الحديث ٣٤٠ ، وسائل الشيعة : ٢٤ / ١٨٣ الحديث ٣٠٢٩٦.