بحيث يقاوم ما دلّ على الوجوب لنفسه عندهم ، سيّما وأن يغلب عليه.
مع أنّه على تقدير تحقّق الكل نعلم الوجوب للغير من دون توقّف على ملاحظة ما دلّ عليه. مع أنّ العلم بالوجوب للغير من اليقينيّات. وما دلّ على ذلك إنّما هو من الظنيّات ، والظن كيف يفيد اليقين؟
فظهر أنّ فهم الوجوب للغير ليس إلّا من اتّفاق الفقهاء ، لا أنّه ممّا دلّ عليه من الظنيات إن كان ، وإلّا ففي كثير منها منتف رأسا ، مثل : «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» (١) ، وكثير منها غير مسلّم الحجيّة عندهم ، لضعف السند أو الدلالة ، وربّما لا يقاوم بحيث يغلب ، وعلى تقدير الغلبة لا يحتاج إليه ولا يلاحظ أصلا ، واتّفاق الفقهاء فيها وفي غسل المسّ على نهج واحد ، فلاحظ فتاواهم ، والله يعلم.
ومرّ ما يزيد التوضيح لو لوحظ وتأمّل فيه ، بل مرّ أنّه لا معنى لكون مثل هذه الطهارات والوضوءات والأغسال واجبة لأنفسها ، وأنّ هذا فاسد قطعا محال التحقّق جزما فلاحظ وتأمّل! إذ الظاهر أنّه لم يقل أحد بوجوبه فورا ، ولا كون منتهى وقت وجوبه معيّنا.
فلو لم يكن واجبا لغيره أصلا ، لزم كون آخر وقت وجوبه ظن الموت ، وبعد حصول الظن لا يتمكّن المكلّف من الغسل عادة ، فلا يتحقّق العقاب في الترك أصلا عادة ، لمكان الرخصة من الشرع ، ومع ذلك يلزم تحقّق واجبات لا تحصى ، ليس على ترك واحد منها عقاب أصلا.
مع أنّه لم يرد في أحكام المحتضرين وآداب الاحتضار ما يشير إلى ذلك بوجه ، إلى غير ذلك ممّا مرّ سابقا في كون الوضوء واجبا لغيره ، فعدم وجوبه للغير
__________________
(١) الكافي : ٣ / ٥٧ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٦٤ الحديث ٧٧٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٠٥ الحديث ٣٩٨٨.