وعن الثالث : أنّ إثبات المماثلة بين شيئين لا يستلزم أن يكون من جميع الوجوه ، كما تقرّر في مسألة أنّ نفي المساواة لا يفيد العموم (١).
وهذه الأجوبة فاسدة ، لأنّ الاحتياط دليل شرعي ، لعموم الأخبار مثل قولهم عليهمالسلام : «احتط لدينك بما شئت» (٢) وقولهم عليهمالسلام : «عليك بالحائطة لدينك» (٣) وغيرهما ، ويدلّ عليه العقل أيضا ، وظاهرهما الوجوب أيضا ، إلّا أنّ أدلّة أصل البراءة تمنع عنه ، إذ الحكم إن كان ثابتا شرعا ، فلا معنى للقول بأنّه احتياط ، وإلّا فالأصل براءة الذمّة عن الوجوب ، فعلى هذا يكون الاحتياط راجحا.
والأمر كذلك عند المجتهدين ، إلّا أنّه فرق بين ابتداء ثبوت التكليف والخروج عن عهدة التكليف الثابت اليقيني ، كما حقّقناه في «ملحقات الفوائد» (٤) ، فإنّ الاحتياط في الأوّل مستحبّ ، كما عرفت ، وأمّا في الثاني فواجب جزما إذا توقّف تحصيل البراءة اليقينيّة والامتثال العرفي عليه.
أمّا الأوّل ، فلقولهم عليهمالسلام : «لا ينقض اليقين إلّا بيقين مثله» (٥).
وأمّا الثاني ، فللآيات (٦) والأخبار الدالّة على وجوب إطاعة الله وحججه عليهمالسلام (٧) ، فإنّ لفظ «الإطاعة» يرجع في معناه إلى العرف ، فلا بدّ من تحقّق الامتثال العرفي ، بل مجرّد الإيجاب والأمر الصادر من الله تعالى ومنهم يقتضي
__________________
(١) لاحظ! مدارك الأحكام : ٤ / ٤١.
(٢) أمالي الطوسي : ١١٠ الحديث ١٦٨ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٦٧ الحديث ٣٣٥٠٩.
(٣) وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٧٣ الحديث ٣٣٥٢٨.
(٤) الفوائد الحائريّة : ٤٤٥ و ٤٤٦.
(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ٨ الحديث ١١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٥ الحديث ٦٣١ مع اختلاف يسير.
(٦) آل عمران (٣) : ٣٢ ، ١٣٢ ، النساء (٤) : ٥٩ ، المائدة (٥) : ٩٢ ، النور (٢٤) : ٥٢.
(٧) لاحظ! الكافي : ١ / ١٨٥ باب فرض طاعة الأئمّة عليهمالسلام.