فإن قلت : كيف تقول لا غبار في اختيار القصر؟ مع أنّه مخالف لما عليه الأكثر من وجوب الإتمام مع عدم قصد الرجوع ليومه أو ليلته ، ومخالف لأدلّتهم أيضا.
قلت : معظم القدماء على القصر جوازا أو وجوبا ، بل ربّما كان زمان الصدوق والمتقدّم عليه كلّ الشيعة على القصر جوازا ـ كما عرفت ـ وهم أهل الشهود.
وأمّا أدلّة الأكثر ، فهي ما دلّ على كون القصر عزيمة ، وأنّه لا يكون في أقلّ من ثمانية فلا يضرّنا ، إذ يؤيّد مذهب ابن أبي عقيل (١) ، ويوافق أحاديث عرفة (٢).
وأمّا موثّقة عمّار (٣) ، فلا يقاوم أحاديث عرفة والإجماع المنقول ، وغير ذلك ممّا دلّ على تحقّق القصر في الأربعة ، بل هو متواتر موافق للكتاب ، ومخالف للعامّة ، ومشتهر بين الأصحاب.
وحمل الجميع على ما إذا قصد الرجوع ليومه ووقع أيضا فيه ما فيه ، لأنّه فرض نادر لا يحمل خبر واحد عليه ، فضلا عن المتواتر ، بل قصد الرجوع وإن لم يقع الرجوع ، أو وقع الرجوع وإن لم يقع قصده ، كلّ واحد منهما نادر وإن لم يجتمعا ، فكيف إذا اجتمعا؟ وكان الاجتماع شرطا للقصر ، لأنّهم يقولون : اجتماعهما شرط للقصر.
فلو كان من نيّته الرجوع ليومه ، وبعد بلوغ الأربعة بدا له في الرجوع ، أو حصل مانع ، يتمّ حينئذ إلى أن يصل إلى بيته ، وكذا لو صار متردّدا في أنّه يرجع
__________________
(١) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ٣ / ١٠٢.
(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ / ٤٦٣ الباب ٣ من أبواب صلاة المسافر.
(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٤٦٩ الحديث ١١١٩٢.