من بني إسرائيل يقرأ حتّى إذا بلغ (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) بكى وفاضت عيناه ثمّ أطبق المصحف وقال : أي رب أرني هذا الرجل الذي جعلت هلاك بني إسرائيل على يديه فأري في المنام مسكينا ببابل يقال له : بخت نصر فانطلق بمال [وبأعبد له] وكان رجلا موسرا [وقيل له أين] تريد؟
قال : أريد التجارة حتّى نزل دارا ببابل [فاستكبر] إلها ليس فيها أحد غيره فجعل يدعو المساكين ويتلطف بهم حتى لا يأتيه أحد فقال : هل بقي غيركم مسكين؟ قالوا : نعم مسكين [يفتح الفلان مريض] يقال له : بخت نصر ، فقال لغلمانه : انطلقوا حتى أتاه ، فقال : ما أسمك؟ قال : بخت نصر ، فقال لغلمانه احتملوه فنقل عليه فمرّضه حتّى برأ فكساه وأعطاه نفقة ثمّ أذن الإسرائيلي بالرحيل فبكى بخت نصر ، فقال الإسرائيلي : ما يبكيك؟
قال : أبكي إنك فعلت بي ما فعلت ولا أجد شيئا أجزيك ، قال : بلى شيئا يسرا إن ملكت أطعتني فجعل لا يتبعه فيما سأل فقال : تستهزئ بي ولا يمنعه أن يعطيه ما سأل إلّا أنه يرى أنه يستهزئ به قبلي الإسرائيلي ، فقال : لقد علمت ما يمنعك أن تعطيني ما سألتك إلّا أن الله يريد أن ينفذ ما قد قضى وكتب في كتابه وضرب الدهر من ضربه.
قال صيحورا ملك فارس ببابل : لو إنا بعثنا طليعة إلى الشام قالوا : وما ضرك لو فعلت؟ قال فمن ترون قال : فلان فبعث رجلا وأعطاه مائة ألف وخرج بخت نصر في مطبخه لا يخرج إلّا ليأكل في مطبخه.
فلما قدم الشام رأى صاحب الطليعة أكثر أرض الله فرسا ورجالا [جاء وقد كسر] ذلك في ذرعه فلم يسأل قال : فجعل بخت نصر يجلس مجالس أهل الشام فيقول : ما يمنعكم أن تغزوا بابل فإذا غزوتموها ما دون بيت مالها شيء.
قالوا : لا نحسن القتال ، قال : ولو أنكم غزوتهم قالوا : لا نحسن القتال ولا نقاتل حتّى أنفذ مجالس أهل الشام ، ثمّ رجعوا فأخبر الطليعة ملكهم بما رأى وجعل بخت نصر يقول لفوارس الملك : لو دعاني الملك لأخبرته غير ما أخبره فلان ، فرفع ذلك إليه فدعاه فأخبره الخبر وقال : إن فلانا لما رأى أكثر أرض الله فرسا ورجالا جلدا كبر ذلك في روعه ولم يسألهم عن شيء ، قال : لم أدع مجلسا شيئا بالشام [الآجال وأصله] فقلت لهم : كذا وكذا ، فقالوا لي : كذا وكذا.
قال سعيد بن جبير : وقال صاحب الطليعة لبخت نصر : إن صحبتني أعطي لك مائة ألف وتنزع عما قلت. قال : لو أعطيتني بيت مال بابل لما نزعت فضرب الدهر من ضربة ، فقال الملك : لو بعثنا جريدة خيل إلى الشام ، فإن وجدوا مساغا وإلا انثنوا ما قدورا عليه ، قال : وما ضرّك لو فعلت ، قال : فمن ترون؟ قالوا : فلان. قال : هل الرجل الذي [أخبرني بما أخبرني]