وكان من طول ما عاين وقاسى من بلاء قومه يشتهي أن ينزل الله بهم بأسه.
وقال الحسن (١) : إنّما غاضب ربّه من أجل أنّه أمر بالمصير إلى قومه لينذرهم بأسه ويدعوهم إليه ، فسأل ربّه أن ينظره ليتأهّب للشخوص إليهم ، فقيل له : إنّ الأمر أسرع من ذلك ولم ينظر حتى سأل أن ينظر إلى أن يأخذ نعلا يلبسها ، فقيل له نحو القول الأول ، وكان رجلا في خلقه ضيق ، فقال : أعجلني ربي أن آخذ نعلا؟ فـ (ذَهَبَ مُغاضِباً).
وقال وهب بن منبّه اليماني : إنّ يونس بن متّى كان عبدا صالحا ، وكان في خلقه ضيق ، فلمّا حملت عليه أثقال النبوّة تفسّخ تحتها تفسّخ الربع تحت الحمل الثقيل ، فقذفها من يده وخرج هاربا منها ، فلذلك أخرجه الله سبحانه من أولي العزم ، فقال لنبيّه محمد عليهالسلام : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) (٢) وقال : (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) (٣) أي لا تلق أمري كما ألقاه.
(فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) أن لن نقضي عليه العقوبة ، قاله مجاهد وقتادة والضحّاك والكلبي ، وهي رواية العوفي عن ابن عباس ، تقول العرب : قدّر الله الشيء بقدره تقديرا وقدره يقدره قدرا ، ومنه قوله نَحْنُ قَدَرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ (٤) وقوله وَالَّذِي قَدَرَ فَهَدى (٥) في قراءة من خفّفهما ، ودليل هذا التأويل قراءة عمر بن عبد العزيز والزّهري فَظَنَّ أَنْ لَنْ نُقَدِّرَ عَلَيْهِ بضم النون وتشديد الدال من التقدير ، وقرأ عبيد بن عمير وقتادة : فظنّ أن لن يقدّر عليه بالتشديد على المجهول ، وقرأ يعقوب يُقْدَرُ بالتخفيف على المجهول. وقال الشاعر في القدر بمعنى التقدير :
فليست عشيّات الحمى برواجع |
|
لنا أبدا ما أورق السلم النضر |
ولا عائد ذاك الزمان الذي مضى |
|
تباركت ما تقدر نفع ولك الشكر (٦) |
وقال عطاء وكثير من العلماء : معناه فظنّ أن لن نضيّق عليه الحبس من قوله سبحانه (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) (٧) أي يضيّق.
__________________
(١) في نسخة أصفهان زيادة : البصري.
(٢) الأحقاف : ٣٥.
(٣) القلم : ٤٨.
(٤) الواقعة : ٦٠.
(٥) الأعلى : ٣.
(٦) تفسير القرطبي : ١١ /. ٣٣٢ والعبارة :
فليس عشيّات اللوى برواجع |
|
أبدا ما أورق السلم النضر |
(٧) الرعد : ٢٦.