(إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ. وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ) قال مرّة وقتادة : كان الحرث زرعا ، وقال ابن مسعود وشريح : كان كرما قد نبتت عنا قيد (إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ) أي رعته ليلا فأفسدته ، والنفش بالليل ، والهمل بالنهار ، وهما الرعي بلا راع (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) لا يخفى علينا منه شيء ، ولا يغيب عنّا علمه.
(فَفَهَّمْناها) أي علّمناها وألهمناها يعني القضيّة (سُلَيْمانَ) دون داود.
(وَكُلًّا) يعني داود وسليمان (آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً).
قال ابن عباس وقتادة والزهري ومرّة : وذلك أنّ رجلين دخلا على داود أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم ، فقال صاحب الزرع : هذا انفلتت غنمه ليلا فوقعت في حرثي ، فلم تبق منه شيئا ، فقال له داود : اذهب فإنّ الغنم لك ، فأعطاه رقاب الغنم بالحرث ، فخرجا فمرّا على سليمان فقال : كيف قضى بينكما ، فأخبراه فقال سليمان : لو ولّيت أمرهم لقضيت بغيره ، فأخبر بذلك داود فدعاه فقال : كيف تقضي بينهما؟ قال : ادفع الغنم إلى صاحب الحرث فيكون له نسلها ورسلها وحرثها وعوارضها ومنافعها ويبذر أصحاب الغنم لأهل الحرث مثل حرثهم ، فإذا كان العام المقبل وصار الحرث كهيئته يوم أكل دفع إلى أهله وأخذ صاحب الغنم غنمه.
وقال ابن مسعود وشريح ومقاتل : إنّ راعيا نزل ذات ليلة بجنب كرم ، فدخلت الأغنام الكرم وهو لا يشعر فأكلت القضبان وأفسدت الكرم ، فصار صاحب الكرم من الغد إلى داود ، فقضى بالأغنام لصاحب الكرم لأنه لم يكن بين ثمن الكرم وثمن الأغنام تفاوت ، فمرّوا بسليمان وهو ابن إحدى عشرة سنة فقال : ما قضى الملك في أمركم؟ فقصّوا عليه القصّة فقال سليمان : غير هذا أرفق بالفريقين ، فعادوا إلى داود فأخبروه بذلك فدعا سليمان وقال له : بحقّ النبوّة والأبوّة إلّا أخبرتني بالذي هو أرفق بالفريقين ، فقال سليمان : تسلّم الأغنام إلى صاحب الكرم حتى يرتفق برسلها ونسلها وصوفها ومنافعها ، ويعمل الراعي في إصلاح الكرم إلى أن يعود كهيئته ، ثم يرد الأغنام إلى صاحبها فقال (١) : القضاء ما قضيت. وحكم بذلك.
قال الحسن : كان الحكم بما قضى به سليمان ، ولم يعنف الله داود في حكمه وهذا يدلّ على أنّ كلّ مجتهد مصيب.
وروى الزهري عن حرام بن محيصة قال : دخلت ناقة للبراء بن عازب حائطا لبعض الأنصار فأفسدته ، فرفع ذلك إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقرأ هذه الآية ، ثم قضى على البراء بما أفسدت الناقة وقال : «على أصحاب الماشية حفظ الماشية بالليل ، وعلى أصحاب الحوائط حفظ حيطانهم وزروعهم بالنهار» (٢).
__________________
(١) في نسخة أصفهان زيادة : داود.
(٢) السنن الكبرى للبيهقي : ٨ / ٣٤١.