أخبرنا عبد الله بن حامد عن حامد بن محمد ، قال أبو عبد الله محمد بن زياد القوقسي ، قال أبو عمّار عن جرير ، عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله عزوجل (كهيعص) قال : الكاف من كريم ، والهاء من هاد ، والياء من رحيم والعين من عليم وعظيم ، والصاد من صادق ، وقال الكلبي أيضا : معناه : كاف لخلقه ، هاد لعباده ، يده (فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) ، عالم ببريته ، صادق في وعده (ذِكْرُ) رفع بـ (كهيعص) وإن شئت قلت : هذا (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا) ، وفيه تقديم وتأخير ، معناه ذكر ربك عبده زكريا برحمته وزكريا في موضع نصب.
وقرأ بعضهم عَبْدُهُ زَكَرِيّا بالرفع على أنّ الفعل له (إِذْ نادى) دعا ربّه في محرابه حيث يقرب القربان نداء خفيّا دعاء سرّا من قومه في جوف الليل ، مخلصا فيه لم يطلع عليه أحد إلّا الله عزوجل قال (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ) ضعف (الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) شمطا ، يقول : شخت وضعفت ، ومن الموت قربت (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) يقول : يا رب عوّدتني الإجابة فيما كنت تجيبني إذا دعوتك ولا تخيّبني.
قوله (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي) قرأ عثمان ويحيى بن يعمر ، (خَفَتِّ) بفتح الخاء والفاء وكسر التاء مشدّدا الْمَوالِي بسكون الياء بمعنى ذهب الموالي وقلّت ، الباقون : (خِفْتُ) بكسر الخاء وضم التاء من الخوف ، الموالي نصبا ، خاف أن يرثه غير الولد ، وقيل : خاف عليهم تبديل دين الله عزوجل وتغيير أحكامه وأن لا يحسنوا الخلافة له على أمّته ، فسأل ربّه ولدا صالحا يأمنه على أمّته ، والموالي بنو العمّ وقيل : الاولي والولي والمولى في كلام العرب واحد ، وقال مجاهد : العصبة ، وقال أبو صالح : الكلالة ، وقال الكلبي : الورثة من ورائي من بعد موتي (وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً) لا تلد (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ) أعطني من عندك (وَلِيًّا) ابنا (يَرِثُنِي وَيَرِثُ) وقرأ يحيى بن يعمر ويحيى بن وثاب والأعمش وأبو عمرو والكسائي بالجزم فيهما على جواب الدّعاء ، وقرأ الباقون بالرفع على الحال والصفة ، أي وليّا وارثا ، وقرأ ابن عبّاس ويحيى بن يعمر : يرثني ، وأرث من آل يعقوب النبوّة ، يعني يرث النبوّة والعلم ، وقال الحسن : معناه (يَرِثُنِي) مالي (وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) النبوّة والحبورة ، وقال الكلبي : هو يعقوب بن ماثان أخو زكريا وليس يعقوب أب يوسف (وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) أي صالحا برا تقيا مرضيّا ، وقال أبو صالح : معناه : اجعله نبيا كما جعلت أباه نبيّا.
أخبرنا عبد الله بن حامد الأصفهاني وشعيب بن محمد البيهقي قالا : أخبرنا : مكّي بن عبدان عن أحمد بن الأزهر عن روح بن عبادة عن سعيد عن قتادة عن بشر بن نهيك أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان إذا قرأ هذه الآية (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) يقول عند ذلك : «رحم الله زكريا ، ما كان عليه من ورثة» (١).
__________________
(١) تفسير الطبري : ١٦ / ٦١.