السحاب ، وكثرت الذباب وشالت الناقة إلا ذبحوها قالوا : شوال ، وإذا قعد التجار عن الأسفار قالوا : ذو القعدة ، وإذا قصدوا الحج من كل فج ، وأظهروا النج والعج قالوا : ذو الحجة.
(فِي كِتابِ اللهِ) يعني اللوح المحفوظ وقيل في قضائه الذي قضى (يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها) من الشهور (أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) كانت العرب تعظمها وتحرم القتال فيها حتى لو لقي الرجل قاتل أبيه أو أخيه لم يهجه ، وهي : رجب ، وذو القعدة ، وذو الحجة ومحرم ، واحد فرد وثلاثة سرد (١).
(ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) الحساب المستقيم (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) أي في الأشهر الحرم بالعمل بمعصية الله عزوجل وترك طاعته ، وقال ابن عباس : استحلال القتال والغارة فيهن ، وقال محمد بن إسحاق عن يسار : لا تجعلوا حلالها حراما ولا حرامها حلالا كما فعل أهل الشرك ، وقال قتادة : إن العمل الصالح والأجر أعظم في الأشهر الحرم ، والذنب والظلم فيهن أعظم من الظلم فيما سواهنّ ، وإن كان الظلم على كل حال عظيم ، ولكن الله يعظم من أمره ما شاء كما يصطفي من خلقه صفايا.
(وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) جميعا عامّا مؤتلفين غير مخلّفين (كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) نصب على الحال (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ).
واختلف العلماء في تحريم القتال في الأشهر الحرم فقال قوم : إنه منسوخ ، وقال قتادة وعطاء الخرساني : كان القتال كثيرا في الأشهر الحرم ثم نسخ وأحل القتال فيه بقوله (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) يقول : فيهن وفي غيرهنّ.
قال الزهري : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحرّم القتال في الأشهر الحرم بما أنزل الله سبحانه من تحريم ذلك حتى نزلت براءة فأحل قتال المشركين، وقال أبو إسحاق : سألت سفيان الثوري عن القتال في الشهر الحرام فقال : هذا منسوخ ، وقد مضى ، ولا بأس بالقتال فيه وفي غيره ، قالوا : لأن النبي صلىاللهعليهوسلم غزا هوازن بحنين وثقيفا بالطائف في شوال وبعض ذي القعدة فيدل على أنه منسوخ ، وقال آخرون : إنه غير منسوخ ، وقال ابن جريج : حلف بالله عطاء بن أبي رباح ما يحلّ للناس أن يغزوا في المحرم ولا في الأشهر الحرم إلا أن يقاتلوا فيها وما نسخت ، وقال ابن حيان نسخت هذه الآية كل آية فيها رخصة.
(إِنَّمَا النَّسِيءُ) قرأ الحسن ، وعلقمة وقتادة ومجاهد ونافع غير ورش وأبو عامر وعيسى والأعمش وعاصم وحمزة والكسائي وابن عامر : النسيء ممدود مهموز ، واختاره أبو عبيدة وأبو حاتم ، وهو مصدر كالخرير والسعير والحريق ونحوها ، ويجوز أن يكون مفعولا مصروفا إلى
__________________
(١) تفسير القرطبي : ٦ / ٣٩.