إلى وجوب مثل الصلاة والنجاسة وأمثالهما ، بل لا طريق له عندك أصلا ، فلا بدّ من حصوله من النقل بالبديهة ، فإذا لم يكن من الآية والحديث ، انحصر في الإجماع ، إذ لا منشأ للعلم هنا إلّا اتّفاق المسلمين أو الشيعة ، ولو كانت المسألة خلافيّة لم يتحقّق هذا العلم بالبديهة ، إلّا إذا كان الخلاف شاذّا.
فظهر أنّ المنشأ هو الوفاق ، على أنّه أيّ شيء يكون المنشأ نحن نسمّيه بالإجماع ، ولا مشاحّة في التسمية ، ونسمّيه أيضا بالضروري أو الوفاق والإطباق ، فأيّ اسم ترضى فسمّه به ، وأقلّه ما ذكرت من أنّه علم آخر وطريق ثالث ، وإنّي لا أدري أنّ المنشأ ما ذا؟ ولا مشاحّة في الاصطلاح عند جميع من له فهم.
فإن قلت : الفقهاء ذكروا في تعريف الإجماع أنّه اتّفاق العلماء بحيث يحصل القطع بقول المعصوم عليهالسلام (١) ، وأنت قلت : اتّفاق المسلمين والشيعة.
قلت : لمّا كانت العبرة عندهم بكلام العلماء لا العوام كما ستعرف ، ذكروا كذلك.
شبهة المذهب الثالث ـ وهو ثبوت الضروريّات خاصّة ـ إنّها ثابتة بالضرورة وأمّا النظريات فلمّا كانت من حدس واجتهاد ، لا يمكن حصول العلم فيها ، بجواز خطأهم في الاجتهاد ، ألا ترى أنّ أهل السنّة اتّفقوا على أحكام باطلة ، وكذا الكفّار ، مثل قدم العالم وغيره وبعض الشبهات التي ذكرت ، وظهر فسادها.
وأمّا هذه الشبهة ، فهي واضحة الفساد أيضا ، فإنّ الإجماع النظري ليس المراد منه ما يكتسب بالنظر ، بل بإجماع الامّة ، أو الشيعة ، أو علمائهم.
وأمّا الضروري ؛ فقد عرفت أنّه ليس من الفطريّات ، ولا المشاهدات ، ولا
__________________
(١) مبادئ الاصول : ١٩٢ ، معارج الاصول : ١٢٦ و ١٣٠ ، معالم الدين في الاصول : ١٧٣.