فتأمّل!
على أنّا نقول : كما يجوز أن تصير الصحاح مبيّنة لما دلّ على الاستحباب والطلب ، وهو مبيّنا لها في أنّ المراد منها طلبها ـ مع ما عرفت من الشنائع والمفاسد ـ كذا يجوز أن يكون الأمر بالعكس ، بأن يكون المراد في الصحاح مطلق الوجوب الذي هو معناه الواقعي ، بقرينة ما ورد في غير واحد من المعتبرة ـ كما عرفت وستعرف ـ من لفظ الاستحباب وما يؤدّي مؤدّاه ، وما يدلّ على مجرّد المطلوبيّة والرجحان ، ويكون ما طلب من المخاطبين منحصرا في المستحبّ ، كما أفتى به المعظم ، وفهموه من الأخبار ، فترجيح أحدهما على الآخر لا بدّ له من مرجّح جزما.
وما ذكرنا ـ من الإجماعات والأخبار والاعتبار والآثار ـ واحد من واحدة منها يكفي في مقام الترجيح جزما ، وحقّق في محلّه ، فما ظنّك باجتماع المجموع؟
فبعد ما عرفت أنّ وجوب الجمعة (١) من بديهيّات الدين ـ كما اعترف به المصنّف ـ وأنّ وجوبها على جميع المكلّفين ، لم يبق لاستدلالكم ـ بما دلّ على كون الجمعة واجبة على جميع المكلّفين ـ وجه على ثبوت محلّ النزاع.
وهو (٢) أنّ الجمعة ما هي؟ على القول بأنّ ألفاظ العبادات حقيقة في خصوص الصحيحة المستجمعة لجميع شرائط الصحّة ـ إن كانت ـ وبديهي الدين أنّ المستجمعة لجميع الشرائط المعتبرة واجبة على جميع المكلّفين من الكفّار والمسلمين ، سوى المرأة والمملوك وغيرهما ، ممّن استثنى في تلك الصحاح.
وأنّ مجموع الشرائط المعتبرة ما هي؟ على القول بأنّها أسامي القدر
__________________
(١) في (د ٢) و (ز ٣) : إذ عرفت أنّ تعلق الوجوب والفرض بالجمعة.
(٢) في (د ٢) و (ز ٣) : إلّا أنّ النزاع في أنّ صلاة ، بدلا من : لم يبق لاستدلالكم .. وهو.