وقرأ أهل الكوفة : (عَقَدَتْ) خفيفة بغير ألف أراد عقدت لهم (أَيْمانُكُمْ) وقرأت أم سعد بنت سعد بن الربيع : (عقّدت) بالتشديد يعني وثقته وأكدته ، والأيمان جمع يمين من اليد والقسم ، وذلك أنهم كانوا يضربون صفقة البيعة بأيمانهم ، فيأخذ بعضهم بيد بعض على الوفاء والتمسك بالعهد ويتحالفون عليه ، فلذلك ذكر الأيمان.
قتادة وغيره : أراد بالذين عاقدت إيمانكم الحلفاء ، وذلك أن الرجل في الجاهلية كان يعاقد الرجل فيقول : دمي دمك وهدمي هدمك وثاري ثارك وحربي وحربك وسلمي وسلمك وترثني وارثك وتطلب لي وأطلب لك وتعقل عني وأعقل عنك ، فيكون للحليف السدس من ميراث الحليف ، وعاقد أبو بكر مولى له فورثه لذلك قوله : (فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) أي وأعطوهم حظهم من الميراث ، ثم نسخ ذلك بقوله : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) (١).
وقال إبراهيم ومجاهد : أراد (فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) من النصر والعقل والرفد ، ولا ميراث ، وعلى هذا القول تكون الآية غير منسوخة لقوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٢) ، ولقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أوفوا للحلفاء بعهودهم التي عقدت أيمانكم» [٣٠٣].
ولقوله عليهالسلام في خطبته يوم فتح مكة : «ما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا به فإنه لم يزده الإسلام إلّا شدة ولا تحدثوا حلفا في الإسلام» (٣) [٣٠٤].
وروى عبد الرحمن بن عوف ، أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال : «شهدت حلف المطيبين وأنا غلام مع عمومتي ، فما أحب أن لي حمر النعم وإنّي أنكثه» (٤) [٣٠٥] ، وقال ابن عباس وابن زيد : نزلت هذه الآية في الذين آخى بينهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، من المهاجرين والأنصار حين أتوا إلى المدينة ، وكانوا يتوارثون تلك المؤاخاة ، ثم نسخ الله ذلك بالفرائض.
وقال سعيد بن المسيّب : نزلت في الذين كانوا يتبنّون أبناء غير هم في الجاهلية ، ومنهم زيد مولى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأمروا في الإسلام [أن] يوصوا إليهم عند الموت بوصية ، وردّ الميراث إلى ذوي الرحم ، وأبى الله أن يجعله يجعل للمدّعى ميراثا ممّن ادّعاهم وتبنّاهم ، ولكن جعل الله لهم نصيبا في الوصية ، فذلك قوله : (فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ).
(إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) وقال أبو روق : نزل قوله : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ). الآية.
__________________
(١) سورة الأنفال : ٧٥.
(٢) سورة المائدة : ١.
(٣) مسند أحمد : ٥ / ٦١ ، سنن الترمذي : ٣ / ٧٣ ، ح ١٦٣٤.
(٤) مسند أحمد : ١ / ١٩٠.