زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «بينما رجل مستلقي على فراشه إذ رفع رأسه فنظر إلى النجوم وإلى السماء فقال : أشهد أن لي ربّا وخالقا اللهم اغفر لي فنظر الله إليه فغفر له» (١) [٢١٤].
وقال أبو الأحوص : بلغني أن عابدا يعبد في بني إسرائيل ثلاثين سنة. وكان الرجل منهم إذا تعبّد ثلاثين سنة أظلته غمامة. ولم ير شيئا ، فشكى ذلك إلى والده. فقال له : يا بني فكّر هل أذنبت ذنبا منذ أخذت في عبادتك؟ قال : لا ، ولا أعلمني هممت به منذ ثلاثين سنة. قال : يا بني بقيت واحدة إن نجوت منها رجوت أن يظلك؟ قال : وما هي؟ قال : هل رفعت طرفك إلى السماء ثم رددته بغير فكرة؟ قال : كثير. قال : من هاهنا أتيت. (ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً) ذهب به إلى لفظ الخلق ولو ردّه إلى السماوات والأرض ، لقال : هذه باطلا عبثا هزلا ، بل خلقته لأمر عظيم.
وانتصاب (الباطل) من وجهين : أحدهما : بنزع الخافض ، أي للباطل وبالباطل ، والآخر : على المفعول الثاني.
(سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) أهنته.
وقال المفضل : أهلكته ، وأنشد :
أخزى الإله من الصليب عبيده |
|
واللابسين قلانس الرهبان (٢) |
وقيل : فضحته ، نظيره قوله : (وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي) (٣). واتخذ القائلون بالوعيد هذه الآية جنّة ، فقالوا : قد أخبر الله سبحانه أنه لا يخزي (النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) ثم قال : (إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) فوجب أن كل من دخل النار فليس بمؤمن وأنه لا يخرج منها.
واختلف أهل التأويل في هذه الآية :
فروى قتادة عن أنس في قوله تعالى : (إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) قال : إنك من تخلد في النار.
وروى الثوري عن رجل عن ابن المسيب في قوله : (إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) فقال : هذه خاصة لمن لا يخرج منها.
وروى أبو هلال الرّاجي عن قتادة في قوله : (إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) إنك من تخلد في النار ، ولا نقول كما قال أهل حروراء ، حدثنا بذلك أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يخرج قوم من النار» (٤) [٢١٥].
__________________
(١) تفسير القرطبي : ٤ / ٣١٤.
(٢) تفسير القرطبي : ٤ / ٣١٦.
(٣) سورة هود : ٧٨.
(٤) تفسير القرطبي : ٩ / ١٠٢ ، بتفاوت يسير.