ومن قرأ بضم الياء فله وجهان :
أحدهما : أن يكون من الغلول ، أي ما كان النبي أن يغل ، أي أن يخان ، يعني أن تخونه أمّته.
والوجه الآخر : أن يكون من الإغلال ، معناه ما كان لنبي أن يخون أو ينسب إلى الخيانة أو يوجد خائنا أو يدخل في جملة الخائنين ، فيكون أغل وغلل بمعنى واحد ، كقوله : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) (١) وقوله : (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) (٢).
وقال المبرد : تقول العرب : أكفرت الرجل بمعنى جعلته كافرا ونسبته إلى الكفر وحملته عليه ووجدته كافرا ولحقته بالكافرين.
(وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ، قال الكلبي : يمثل له ذلك الشيء في النار ثم يقال له : انزل فخذه ، فينزل فيحمله على ظهره ، فإذا بلغ موضعه وقع في النار ثم كلفه أن ينزل إليه فيخرجه فيفعل ذلك.
وروى أبو زرعة عن أبي هريرة قال : قام فينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوما خطيبا فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره وقال : «لا ألقينّ أحدكم يجيء على رقبته يوم القيامة بعير له رغاء يقول : يا رسول الله أغثني؟ فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك ، ولا ألقينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء يقول : يا رسول الله أغنني؟ فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك ، ولا ألقينّ أحدكم بصامت يقول : يا رسول الله اغنني؟ فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك ، ولا ألقينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة (٣) يقول : يا رسول الله أغنني؟ فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك ، ولا ألقينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخنق يقول : يا رسول الله أغنني؟ فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك» (٤) [١٧٦].
وحدث سالم بن أبي الجعد عن عبد الله بن عمرو قال : كان على ثقل رسول الله صلىاللهعليهوسلم رجل يقال له كركرة فمات ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «هو في النار» فوجدوا عليه عباءة قد غلّها (٥).
وحدث الزهري عن عروة عن أبي حميد الساعدي قال : بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم رجلا من الأزد يقال له أبو اللبيبة (٦) على الصدقة ، فجاء فقال : هذا لكم وهذا أهدي له ، فقام النبي صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) سورة الأنعام : ٣٣.
(٢) سورة الطارق : ١٧.
(٣) الحمحمة : صوت الفرس دون الصهيل.
(٤) صحيح البخاري : ٤ / ٣٧ ، تفسير الطبري : ٤ / ٢١١ ، ومصنف ابن أبي شيبة : ٧ / ٧١١.
(٥) تاريخ دمشق : ٤ / ٢٧٩.
(٦) في تفسير الطبري : ٤ / ٢١٢ (ابن التبية) ، وفي السنن الكبرى : ٤ / ١٥٨ (أبو اللبتية)