وقرأ الضحاك بضم الضاد وجزم الراء خفيفة من (ضار يضور) ، وذكر الفرّاء عن الكسائي أنه سمع بعض أهل العالية يقول : لا ينفعني ذلك ولا يضورني. وقرأ الباقون : بضم [الضاد ، والراء] (١) مشددة ، واختاره. وهو من (ضرّ يضرّ ضرا) ، مثل (ردّ يرد ردّا). وفي رائه وجهان :
أحدهما : أنه أراد الجزم وأصله لا يضرركم فأدغمت الراء في الراء ، ونقلت ضمة الراء الأولى إلى الضاد وضمت الراء الأخيرة اتباعا لأقرب الحركات إليها وهي الضاد ؛ طلبا للمشاكلة كقولهم : مرّ يا هذا.
والوجه الثاني : أن يكون (لا) بمعنى ليس ويضمر الفاء فيه ، تقديره : وإن تصبروا وتتّقوا فليس يضركم. قاله الفرّاء وأنشد :
فإن كان لا يرضيك حتى تردني |
|
إلى قطري لا إخالك راضيا (٢) |
إن الله بما تعملون قرأ الأعمش والحسن : بالتاء. الباقون بالياء (مُحِيطٌ) عالم.
(وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ). الآية. نظم الآية : (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً) ولكن الله تعالى ينصركم عليهم كما نصركم (بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) ، وإن أنتم لم تصبروا على أمري ولم تتقوا نهيي ، فإنه نازل بكم ما نزل بكم يوم أحد حيث خالفتم أمر الرسول ولم تصبروا ، فاذكروا ذلك اليوم أو غدا بينكم (تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ) واختلفوا في هذا اليوم الذي عنى الله تعالى بقوله : (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ) ؛ فقال الحسن : هو يوم بدر. وقال مقاتل : هو الأحزاب. وقال سائر المفسرين : هو أحد ، وهو أثبت. يدل عليه قوله في عقبه : (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا) وهذا إنما كان يوم أحد.
قال مجاهد والكلبي والواقدي : غدا رسول الله صلىاللهعليهوسلم من منزل عائشة فمشى على رجليه إلى أحد ، فجعل يصف أصحابه للقتال كأنما يقوم بهم القدح إن رأى صدرا خارجا قال : «تأخر».
وذلك أن المشركين نزلوا بأحد. على ما ذكر محمد بن إسحاق والسدي عن رجالهما. يوم الأربعاء ، فلما سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم بنزولهم استشار أصحابه ودعا عبد الله بن أبي بن سلول.
ولم يدعه قط قبلها. واستشاره ، فقال عبد الله بن أبي وأكثر الأنصار : يا رسول الله ، أقم بالمدينة ولا تخرج إليهم ، فو الله ما خرجنا منها إلى عدو قط إلّا أصاب منّا ، ولا دخلها علينا إلّا أصبنا منه ، فكيف وأنت فينا؟ فدعهم يا رسول الله ؛ فإن أقاموا أقاموا بشر مجلس ، وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم ، فإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاءوا.
__________________
(١) في المخطوط : الراء والضاد.
(٢) التبيان في تفسير القرآن : ٢ / ٥٧٥.