وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي : أقبل يعقوب عليهالسلام من حران يريد بيت المقدس حين هرب من أخيه عيص وكان رجلا بطّيشا قويا ، فلقيه ملك فظنّ [يعقوب] أنّه لصّ فعالجه أن يصرعه فغمز الملك فخذ يعقوب ثم صعد إلى السماء ويعقوب ينظر إليه ، فهاج به عرق النساء ولقي من ذلك بلاء شديدا وكان لا ينام بالليل من الوجع [ويبيت] وله زقاء أي صياح ، فحلف يعقوب عليهالسلام لئن شفاه الله أن لا يأكل عرقا ولا طعاما فيه عرق ، فحرّمها على نفسه فجعل بنوه يبتغون العروق يخرجونها من اللحم (١) ، وقال أبو العالية وعطاء ومقاتل والكلبي : كان ذلك لحمان الإبل وألبانها.
وروى شهر بن حوشب عن ابن عباس أن عصابة حضرت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا : يا أبا القاسم أخبرنا أي الطعام (حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ)؟
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أشهدكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أنّ يعقوب مرض مرضا شديدا فطال سقمه عليه ، فنذر لله لئن عافاه الله من سقمه ليحرّمن أحبّ الطعام والشراب إلى نفسه ، وكان أحبّ الطعام إليه لحمان الإبل ، وأحب الشراب إليه ألبانها» [٨٢] (٢) فقالوا : اللهم نعم.
وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال : لما أصاب يعقوب عرق النساء ووصف له الأطباء أن يجتنب لحوم الإبل ، فحرّم يعقوب على نفسه لحوم الإبل ، فقالت اليهود : إنّا حرّمنا على أنفسنا لحوم الإبل ؛ لأنّ يعقوب حرّمها وأنزل الله تحريمها في التوراة فأنزل الله هذه الآية.
وقال الحسن : (حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ) لحوم الجزور تعبدا لله عزوجل فسأل ربّه عزوجل أن يجيز له ذلك ، فحرّمه الله على ولده ، وقال عكرمة : (حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ) زائدة الكبد والكليتين والشحم إلّا ما على الظهور ، وروى ليث عن مجاهد قال : (حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ) لحوم الأنعام ثم اختلفوا في هذا الطعام المحرّم على إسرائيل بعد نزول التوراة ، وقال السدي : إنّ الله لما أنزل التوراة حرّم عليهم ما كانوا يحرّمونها قبل نزولها اقتداء بأبيهم يعقوب عليهالسلام ، وقال عطية : إنّما كان ذلك حراما عليهم لتحريم إسرائيل ذلك عليهم وذلك أنّ إسرائيل قال حين أصابه عرق النساء : والله لئن عافاني الله منه لا يأكله لي ولد ، ولم يكن ذلك محرّما عليهم في التوراة.
وقال الكلبي : لم يحرّمه الله عليهم في التوراة وإنّما حرّم عليهم بعد التوراة لظلمهم وكفرهم ، وكان بنو إسرائيل كلما أصابوا ذنبا عظيما حرّم الله عليهم طعاما طيبا ، أو صبّ عليهم
__________________
(١) المجموع للنووي : ١٨ / ٧٢.
(٢) مسند أحمد : ١ / ٢٧٣ بتفاوت يسير.