السَّفِينَةِ (١) ، وتَعْطِفُ الشَّيءَ على سابِقِه كقوله تعالى : وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ (٢) ؛ وعلى لاحِقِه كقوله تعالى : كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ (٣).
والفَرْقُ بَيْنها وبَيْنَ الفاءِ أنَّ الواوَ يُعْطَفُ بها جُمْلَةٌ ولا تدلُّ على التَّرْتيبِ في تَقْدِيمِ المُقَدّم ذِكْره على المُؤَخّرِ ذِكْره ، وأَمَّا الفرَّاء فإنَّه يُوصِلُ بها ما بَعْدَها بالذي قَبْلها والمُقدّمُ الأَوَّل ، وقال الفرَّاء : إذا قلْت زُرْتُ عَبْدَ الله وزَيْداً فأيّهما شِئْتَ كان هو المُبْتَدَأ بالزِّيارَةِ ، وإنْ قلْت زُرْتُ عَبْدَ الله فزَيْداً كانَ الأوَّل هو الأوَّل والآخرُ هو الآخرُ ، انتَهَى. وإذا قيلَ : قامَ زَيْدٌ وعَمْرٌو ، احْتَمَلَ ثلاثَةَ مَعانٍ : المَعِيّة ومُطْلَق الجَمْع والتَّرْتيب ، وكَوْنُها للمَعِيَّةِ راجِحٌ لمَا بَيْنهما مِن المُناسَبَةِ لأنَّ مع للمُصاحَبَةِ ، ومنه الحديثُ : «بُعِثْتُ أَنا والساعَةُ كهَاتَيْن» ، أَي مع الساعَةِ ؛ وللتَّرْتيبِ كَثيرٌ ولعَكْسِه قَليلٌ ، ويجوزُ أَنْ يكونَ بَيْنَ مُتَعاطِفَيْها تَقارُبٌ أَو تَراخٍ كقوله تعالى : إِنّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٤) ، فإنَّ بينَ رَدِّ موسَى إلى أُمِّه وجَعْلهِ رَسُولاً زَمانٌ مُتراخٍ ؛ وقد تَخْرُجُ الواوُ عن إفادَةِ مُطْلَقِ الجَمْع وذلكَ على أَوْجُهٍ :
أَحَدُها : تكونُ بمعْنَى أَوْ وذلكَ على ثلاثَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُها : أَنْ تكونَ بمعْناها في التَّقْسِيم ، نحوُ : الكَلمةُ اسمٌ وفِعْلٌ وحَرْفٌ ؛ والثاني : بمعْناها في الإباحَةِ (٥) كقولك : جالِسِ الحَسَنَ وابنَ سِيرِينَ أَي أَحَدَهُما ؛ والثالثُ : بمَعْناها في التَّخْيير كقولِ الشَّاعرِ :
وقالوا نَأَتْ فاخْتَرْ لَها الصَّبْرَ والبُكا (٦)
والوَجْهُ الثاني : أَنْ تكونَ بمعْنَى باءِ الجَرِّ نحوُ : أَنْتَ أَعْلَمُ ومالَكَ ، أَي بمالِكَ ، وبِعْتُ الشَّاءَ شاةً ودِرْهَماً ، أَي بدِرْهَمٍ.
الثَّالث : بمعْنَى لامِ التَّعْليل ؛ نحوُ قوله تعالى : يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ (٧) ، أَي لئَلَّا نَكْذِبَ ، قالَهُ الخارَزَنْجي مُصنِّفُ تَكْملة العَيْن وقد مَضَتْ تَرْجمتُه عنْدَ ذِكْرِه في حَرْفِ الجِيم.
الرابع : واو الاسْتِئْنافِ كقولهم : لا تَأْكُلِ السَّمَكَ وتَشْرَبِ اللَّبَنَ فيمَنْ رَفَعَ ، وقد ذُكِرَ ذلكَ فِي بَحْثِ لا قَرِيباً.
الخامس : واوُ المَفْعولِ معه : كسِرْتُ والنِّيلَ.
السَّادِسُ : واوُ القَسَمِ كقولِهم : والله لقَدْ كانَ كذا ، وهو بدلٌ مِن الباءِ وإنَّما أبدلٌ منه لقُرْبِه منه في المَخْرَجِ إذ كانَ مِن حُروفِ الشَّفَةِ ولا تَدْخُلُ إلَّا على مُظْهَرٍ فلا يقالُ وك استغناء بالباء عنها ، ولا تَتَعَلَّقُ إلَّا بمَحْذُوفٍ نحوُ قوله تعالى : وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٨) ، ولا يقالُ أُقْسِمُ والله ، إنْ تَلَتْها واوٌ أُخْرَى كقولِهِ تعالى : (وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ) (٩) فالثانِيَةُ للعَطْفِ والأُولى للقَسَمِ وإلَّا لاحْتاجَ كلٌّ إلى جَوابٍ نحوُ قوله تعالى : وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (وَطُورِ سِينِينَ) (١٠).
السَّابعُ : واوُ رُبّ ، ولا تَدْخُلُ إلَّا على مُنَكَّرٍ مَوْصوفٍ لأنَّ وَضْعَ رُبَّ لتَقْليلِ نَوْعٍ مِن جِنْسٍ فيذكرُ الجِنْسَ ثم يَخْتَصُّ بصفَةِ تَعْرفةٍ ؛ ومنه قولُ الشاعرِ :
وبَلْدةٍ ليسَ بها أَنِيسُ |
|
إلَّا اليَعافِيرُ وإلَّا العِيسُ |
أَي ورُبَّ بَلْدةٍ.
الثَّامن : الَّزائِدَةُ ، كقوله تعالى : حَتّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها (١١) ، جَوَّزَه الجَوْهرِي ؛ وقال غيرُه : هي واوُ الثمانِيَةِ ، وفي الصِّحاح : قالَ الأصْمعي : قلْتُ لأبي عَمْرِو بنِ العَلاءِ : وقولُهم رَبّنا ولكَ الحَمْدُ ، فقالَ : يقولُ الرَّجُلُ للرَّجُلِ بِعْني هذا الثَّوْبَ ، فيقولُ : وهو لَكَ وأَظنُّه أَرادَ هو لك ؛ وأَنْشَدَ الأخْفَش :
__________________
(١) سورة العنكبوت ، الآية ١٥.
(٢) سورة الحديد ، الآية ٢٦.
(٣) سورة الشورى ، الآية ٣.
(٤) سورة القصص ، الآية ٧.
(٥) على هامش القاموس عن نسخة : «نحو».
(٦) البيت لكثير ٢ / ٢٥١ وعجزه :
فقلت : البكا أشفى إذن لغليلي
وصدره من شواهد القاموس.
(٧) سورة الأنعام ، الآية ٢٧.
(٨) سورة يس ، الآية ٢.
(٩) سورة الطور ، الآية الأولى.
(١٠) سورة التين ، الآية ٢.
(١١) سورة الزمر ، الآية ٧١.