قِفَا نَبْكِ مِن ذِكْرَى حَبيبٍ ومَنْزلِ |
|
بسقْطِ اللِّوَى بينَ الدَّخُولِ فحَوْمَلِ (١) |
قال شيْخُنا : هكذا ذَكَرُوه واسْتَدلّوا بقولِ امْرىءِ القَيْسِ ، وقالَ أَرْبابُ التَّحْقِيقِ : الصَّوابُ أنَّ هناكَ مُقَدَّراً يُناسِبُ البَيِّنيةَ والتَّقْدِير بينَ مَواضِع الدَّخُولِ فمَواضِع حَوْمَلٍ ، فالفاءُ على بابِها كما مالَ إليه سيبويه وجماعَةُ وبَسطَه ابنُ هِشامٍ في المُغْني ، انتَهَى.
* قُلْتُ : وذَكَر السّهيلي في الرَّوْض أَنَّ الفاءَ في قولِه هذا وأَشْباهِه تُعْطِي الاتِّصالَ ؛ يقالُ : مُطِرْنا بينَ مكَّةَ فالمدِينَةِ إذا اتَّصَلَ المَطَرُ مِن هذه إلى هذه ، ولو كانتِ الواوُ لم تُعْطِ هذا المَعْنى ، انتَهَى.
وقال صاحِبُ اللّبابِ : وقولهُ بينَ الدَّخُولِ فحَوْمَلِ على وَسَطِ الدَّخُول فوَسَط حَوْمَلِ ، ولو قُلْتَ بينَ الفَرَسِ فالثّوْرِ لم يجز.
وتَجيءُ للسَّبَبِيَّةِ ؛ وهذا هو الموضِعُ الثاني الذي ذَكَرَه الجَوْهرِي فقالَ : هو أنْ يكونَ ما قَبْلها علَّةً لمَا بَعْدَها ويجْرِي على العَطْفِ والتَّعْقيبِ دُونَ الإشَرْاكِ كقولك : ضَرَبَه فبَكَى وضَرَبَه فأَوْجَعَه إذا كانَ الضَّرْبُ علَّةً للبُكاءِ والوَجَعِ ، انتهى. وفي اللُّباب : ولإفادَتِها التَّرْتيبِ مِن غَيْرِ مُهْلَةٍ اسْتَعْملُوها للسَّبَبِيَّةِ. وذلكَ غالِبٌ في العاطِفَةِ جُملةً كقوله تعالى : فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ (٢) ؛ أَو صِفَةً نحو قوله تعالى : لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) (٣) وتكونُ رابِطةً للجَوابِ ، والجوابُ جُمْلَةٌ اسْميَّةٌ. وفي اللّبابِ : رابِطةٌ للجَزاءِ بالشَّرْطِ حيثُ لم يَكُنْ مُرْتَبِطاً بذاتِه ؛ نحو قوله تعالى : وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ ، فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤) ؛ وقوله تعالى : إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ ، فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٥).
وهذا هو الموضِعُ الثالثُ الذي ذكَرَه الجَوْهرِي فقالَ : هو الذي يكونُ للابْتِداءِ ، وذلك في جوابِ الشَّرْطِ ، كقولك : إنْ تَزُرْني فأنْتَ مُحْسِنٌ ، يكونُ ما بَعْدَ الفاءِ (٦) كَلاماً مُسْتَأْنفاً يَعْمَل بعضُه في بعضٍ ، لأنَّ قولَكَ أَنْتَ ابْتداءٌ ، ومُحْسِنٌ خَبَرُه ، وقد صارَتِ الجُملَةُ جواباً بالفاءِ.
أَو تكونُ جُمْلةً فِعْليَّةً كالاسْمِيَّةِ وهي التي فِعْلُها جامِدٌ ، نحو قوله تعالى : إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً (٧) ؛ وقوله تعالى : فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ (٨) ؛ وقولهُ تعالى : إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمّا هِيَ (٩) ؛ أَو يكونُ فَعْلُها إنْشائيّاً ، كقوله تعالى : إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي (يُحْبِبْكُمُ اللهُ) (١٠) ؛ أَو يكونُ فِعْلاً ماضِياً لَفْظاً ومَعْنًى ، إمَّا حَقِيقَةً نحو قوله تعالى : إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ (١١) ؛ أو مجازاً نحو قوله تعالى : وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النّارِ (١٢) ؛ نُزِّلَ الفِعْلُ لتَحَقُّقِه مَنْزِلَةَ الوَاقِعِ. قالَ البَدْرُ القرافي : ذَكَرَ المصنِّفُ من مثْلِ الفاءِ الرَّابِطَة للجَوابِ أَرْبَعَة وبَقِيَتْ خامِسَة : وهي أن تَقْتَرِنَ بحَرْفِ اسْتِقْبالٍ نحو قوله تعالى : (مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ) (١٣) ، الآية : وما تَفْعلُوا مِن خَيْرٍ فلَنْ تكفروه (١٤) وسادِسَة : وهي أنْ تَقْتَرِنَ بحَرْفٍ له الصَّدْر نحو :
فإن أَهْلكَ فذُو لهبٍ لظَاهُ
(١٥) انتَهَى.
__________________
(١) مطلع معلقته ، ديوانه ط بيروت ص ٢٩ ، وجزء من عجزه من شواهد القاموس ، والشاهد رقم ٢٩١ من شواهد مغني اللبيب.
(٢) سورة القصص ، الآية ١٥.
(٣) سورة الواقعة ، الآيات ٥٢ ـ ٥٥.
(٤) سورة الأنعام ، الآية ١٧.
(٥) سورة المائدة ، الآية ١١٨.
(٦) في الصحاح : «الألف» والأصل كاللسان ولم يعزه.
(٧) سورة الكهف ، الآية ٣٩.
(٨) سورة الكهف ، الآية ٤٠.
(٩) سورة البقرة ، الآية ٢٧١.
(١٠) سورة آل عمران ، الآية ٣١.
(١١) سورة يوسف ، الآية ٧٧.
(١٢) سورة النمل ، الآية ٩٠.
(١٣) سورة المائدة ، الآية ٥٤.
(١٤) سورة آل عمران ، الآية ١١٥ وفيها : (وَما يَفْعَلُوا ... يُكْفَرُوهُ).
(١٥) الشاهد ٢٩٥ من شواهد مغني اللبيب ، وتمامه :
عليّ تكاد تلتهب التهابا
ونسبه محقق مغني اللبيب ط دار الفكر بيروت ، لربيعة بن مقروم.