ومنها : أَلِفُ النُّونِ الخفيفةِ ، كقوله تعالى : لَنَسْفَعاً بِالنّاصِيَةِ (١) ، وكقوله تعالى : (وَلَيَكُوناً مِنَ الصّاغِرِينَ) (٢) ، الوُقوفُ على (لَنَسْفَعاً) وعلى و (لَيَكُوناً) بالألِفِ ، وهذه الألِفُ خَلَفٌ مِن النونِ ، والنونُ الخَفيفَةُ أصْلُها الثَّقيلَةُ إلَّا أَنَّها خفِّفَتْ ؛ مِن ذلكَ قولُ الأعْشى :
ولا تَحْمَدِ المُثْرِينَ والله فَاحْمَدا
(٣) أَرادَ فاحْمَدَنْ ، بالنونِ الخَفيفةِ ، فوقَفَ على الألِفِ.
ومِثْلُه قولُ الآخرِ :
يَحْسَبُه الجاهلُ ما لم يَعْلَما |
|
شَيْخاً على كُرْسِيِّه مُعَمَّمَا (٤) |
فنصبَ بلم ، لأنَّه أَرادَ ما لم يَعْلَمن بالنونِ الخَفيفةِ فوقَفَ بالأَلفِ.
وقالَ أَبو عِكْرِمَة الضَّبِيُّ في قولِ امْرىءِ القَيْس :
قِفَا نَبْكِ مِن ذِكْرَى حَبيبٍ ومَنْزلِ (٥)
قالَ : أَرادَ قفَنْ فأَبْدَلَ الألفَ من النونِ الخَفيفةِ.
قالَ أَبو بَكْرٍ : وكَذلكَ قولهُ ، عزوجل : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ) (٦) ؛ أَكْثَر الرِّوايةِ أنَّ الخِطابَ لمَالكٍ خازِنِ جَهَنَّم وَحْده فبَناهُ على ما وَصَفْناه.
ومنها : أَلِفُ الجَمْع كمساجِدَ وجِبالٍ وفُرْسان وفَواعِل.
ومنها : أَلِفُ التَّفْضِيلِ والتَّقْصيرِ (٧) كهُو أَكْرَمُ منْكَ وأَلأَمُ منْكَ ، وفلانٌ أَجْهَلُ منه. ومنها : أَلِفُ النِّداءِ ، كقولكَ : أَزَيْدُ ، تُريدُ يا زَيْدُ ، وهو لنِداء القَرِيب وقد ذُكِرَ قَرِيباً.
ومنها : ألِفُ النُّدْبةِ ، كقولكَ : وا زَيْدَاهُ ، أَعْني الألِفَ التي بعْدَ الدَّالِ.
ومنها : أَلِفُ التَّأْنيثِ كمدَّةِ حَمْراءَ وبَيْضاءَ ونَفْساءَ ، وأَلِف سَكْرَى وحُبْلَى.
ومنها : أَلِفُ التَّعايِي ، بأنْ يقولَ الرَّجُلُ إنَّ عُمَرَ ، ثم يُرْتَجَ عليه كَلامُه فيَقِفَ قائِلاً إنَّ عُمَرَا ، فَيَمُدُّها مُسْتَمِدًّا لما يَنْفَتِحُ له مِن الكَلامِ فيَقُولُ مُنْطَلِق ، المَعْنى إنَّ عُمَرَ مُنْطَلِقٌ إذا لم يَتعايَ ؛ ويَفْعلونَ ذلكَ في التَّرْخيمِ كما تقولُ : يا عُمار ، هو يُريدُ يا عُمَر ، فيمدُّ فَتْحةَ الميمِ بالألفِ ليمتدَّ الصَّوْتُ.
ومنها : أَلِفاتُ المَدَّاتِ ككَلْكالٍ وخاتامٍ ودَاناقٍ في الكَلْكلِ والخاتَمِ والدانَقِ.
قال أبو بكْرٍ : العَرَبُ تَصِلُ الفَتْحةَ بالألِفِ ، والضمَّةَ بالواوِ ، والكَسْرةَ بالياءِ ؛ فمِنَ الأوَّل قولُ الراجزِ :
قُلْتُ وقد جَرَّتْ على الكَلْكالِ |
|
يا ناقَتِي ما جُلْتِ عن مَجالِي (٨) |
أَرادَ : عن الكَلْكلِ.
ومِن الثاني : ما أَنْشَدَ الفرَّاء :
لَوْ أَنَّ عَمْراً هَمَّ أنْ يَرْقُودا |
|
فانْهَضْ فَشُدَّ المِئْزَرَ المَعْقُودا (٩) |
أَرادَ : أن يَرْقُدَ ؛ وأَنْشَدَ أيْضاً :
وإنَّني حَيْثُما يَثْنِي الهَوى بَصَرِي |
|
مِنْ حَيْثُ ما سَلَكُوا أَدْنُوا فأَنْظُورُ (١٠) |
أَرادَ فأَنْظُرُ.
ومِن الثالث قولُ الراجزِ :
__________________
(١) سورة العلق ، الآية ١٨.
(٢) سورة يوسف ، الآية ٣٢.
(٣) ديوانه ط بيروت ص ٤٦ وتمامه :
وحبلّ على حين العشيات والضحى |
|
ولا تحمد الشيطان ... |
والمثبت كرواية اللسان والتهذيب.
(٤) اللسان والتهذيب.
(٥) مطلع معلقته ، وعجزه :
بسقط اللوى بين الدخول فحوملِ
(٦) سورة ق ، الآية ٢٤.
(٧) في اللسان والتهذيب : والتصغير.
(٨) اللسان والتهذيب وفيهما : «خرّت» بدل «جرّت».
(٩) اللسان والتهذيب ، بدون نسبة ، وبالأصل «فسد».
(١٠) اللسان والتهذيب.