باب الألف اللينة
قال شيْخُنا : هي صفَةٌ كاشِفَةٌ لأنَّ القَصْدَ هنا الألِفُ التي هي مِن حُرُوفِ المدِّ واللِّين ، ويقالُ لها : الألِفُ الهاوِيَةُ ، وهي التي لا تَقْبَل الحركاتِ بل ساكِنَة دائماً هَوائِيَّة ، واحْتَرز بذلكَ عن الهَمْزةِ فإنَّها عِبارَةٌ عَمَّا يَقْبَل الحَركاتِ وقد أَشَرْنا إلى أنَّ هذا اصْطِلاحٌ للمُتأَخِّرين كما نبَّه عليه ابنُ هِشام وغيرُه ، وقاعِدَتُه أنَّ البابَ يكونُ لآخرِ الكَلمةِ ، وهو في هذا البابِ غالِبٌ عنْدَه لا لازِمٌ ، كما أنَّ الألِفَ اللَّيِّنَةَ إنَّما تصحُّ في الآخِرِ لا الأوَّلِ. وقد ذُكِرَ في هذا البابِ كلماتٌ أَوائِلُها هَمْزة وآخِرُها ليسَ كَذلكَ ، كإذْ مَثَلاً فِذْكُر هنا ليسَ مِن هذا البابِ بِاعْتِبارِ اصْطِلاحِه ، بل مَوْضِعه الذَّال المُعْجمة ، وقد أَشارَ إليه هناكَ ؛ ومِثْل أولو فإنَّ آخِرَه واوٌ ساكِنَةٌ وذِكْره هنا باعْتِبار أَوَّله فلم يَبْقَ له ضابِط. وكالألِفاتِ المُفْردَةِ التي لم تركبْ مع شيءٍ فإنَّ أَكْثَرها مُتحرِّكٌ ولا زائِدَ عليه فاعْتُبِر أَوَّلُه ، وهكذا فاعْرِف ذلك. وفيه غَيْر ذلك في بَقِيَّة الحُروفِ يَحْتاجُ الكَشْفُ عنه إلى تأَمّل ودِقَّةً نَظَرٍ ، انتَهَى.
* قُلْت : وقد يجابُ عن المصَنِّفِ بأنَّه لم يَذْكُرْ إذْ إلَّا اسْتِطْراداً في إذا ، ويدلُّكَ على ذلكَ أنَّه لم يُفْرِد له تَرْكِيباً ، وقد ذَكَرَه في الذالِ المُعْجمة مَبْسوطاً. وأمَّا أولو فإنَّما ذَكَرَه لمُناسَبَتِه بأُولا كهُدًى في كَوْن كل واحِدٍ منهما جَمْعاً لا واحِدَ له ، ويدلُّكَ على ذلك أنَّه ذَكَرَه في اللَّامِ مُفَصّلاً ، مع أنَّ الجَوْهرِي ذَكَرَ كُلًّا مِن إذ وأَولا ، وإنَّما هو نظرٌ لما قُلْنا وكفى به قُدْوَة ، فتأَمَّل.
وفي الصِّحاح : الألِفُ على ضَرْبَيْن : لَيِّنَةٌ ومُتَحرِّكةٌ ، فالليِّنَةُ تُسَمَّى أَلفاً ، والمُتحرِّكَةُ تُسَمَّى هَمْزةً ، وقد ذَكَرْنا الهَمْزةَ ، وذَكَرْنا أَيْضاً ما كانتِ الألِفُ فيه مُنْقلِبَة عن (١) الواوِ أَو الياءِ ، وهذا الباب مَبْني على أَلفاتٍ غَيْر مُنْقلباتٍ عن شيءٍ فلهذا أَفْرَدْناه ، انتهى.
وقال ابن برِّي : الألِفُ التي هي أَحَدُ حُروفِ المدِّ واللِّين لا سَبِيلَ إلى تَحْريكِها ، على ذلكَ اجْتِماعُ النّحويِّين ، فإذا أَرادُوا تَحْريكَها رَدُّوها إلى أصْلِها في مِثْل رَحَيان وعَصَوان ؛ وإن لم تَكُن مُنْقلِبَةً عن واوٍ ولا ياءٍ وأَرادُوا تَحْريكَها أَبْدلُوا منها هَمْزة في مِثْل رِسالَةٍ ورَسائِل ، فالهَمْزةُ بدلٌ مِن الألفِ وليسَتْ هي الألِف ، لأنَّ الألفَ لا سَبِيل ، إلى تَحْريكِها ، والله أَعْلَم.
[أ] : أحَرْفُ هِجاءٍ مَقْصورَة مَوْقوفَةٌ ، ويُمَدُّ إنْ جَعَلْته اسْماً ، وهي تُؤَنَّث ما لم تُسَم حرفاً ؛ كذا في الصِّحاح.
وفي المُحْكم : الألفُ تأْلِيفها مِن هَمْزةٍ ولامٍ وفاءٍ ، وسُمِّيت أَلفاً لأنَّها تأْلفُ الحُروفَ كُلَّها ، وهي أَكْثر الحُروفِ دُخولاً في المَنْطقِ ، وقد جاءَ عن بعضِهم في قولهِ تعالى : (الم) ، أنَّ الألفَ اسْمٌ مِن أَسْماءِ الله تعالى ، والله أَعْلَم بما أَرادَ. والألفُ الليِّنَةُ لا حَرْفَ (٢) لها إنَّما هي جَرْسُ مدَّة بعْدَ فَتْحةٍ وآ ، بالمدِّ : حَرْفٌ لنِداءِ البَعِيدِ ، تقولُ : آ زَيْد أَقْبِلْ.
وقال الجَوْهرِي : وقد يُنادَى بها ، تقولُ : أَزَيْدُ أَقْبِلْ إلَّا أَنَّها للقَرِيبِ دُونَ البَعِيدِ لأنَّها مَقْصورَةٌ.
وقال الأزْهري : تقولُ للرَّجُلِ إذا نادَيْتَه : آ فلانٌ وأَ فلانٌ وآيا فلانٌ ، بالمدِّ ، انتَهَى.
ورَوَى الأزْهري عن أَبي العبَّاس أَحمدَ بنِ يَحْيَى ومحمدِ بن يزيد قالا : أُصُولُ الألِفاتِ ثلاثَةٌ وتَتْبَعُها الباقِياتُ :
__________________
(١) في الصحاح : منقلبة من الواو والياء.
(٢) في اللسان : «صرف» والأصل كالتهذيب.