إذا أنَا لم أُومَنْ عليكَ ولم يَكُنْ |
|
لِقاؤُكَ إلَّا مِنْ وَراءُ وَراءُ (١) |
وقولُهم : وَراءَك أَوْسَعُ ، نُصِبَ بالفِعْل المُقَدَّرِ ، أَي تَأَخَّر ، انتَهَى.
وفي حديثِ الشَّفاعَةِ : «يقولُ إبراهيمُ إنِّي كنتُ خَلِيلاً مِن وَراءَ وَراءَ» ، هكذا يقالُ مَبْنيّاً على الفَتْح ، أَي مِن خَلْف حِجابٍ.
وفي الأساس : قيلَ للمُخَبَّل : قاوِمِ الزِّبْرقان ، فقالَ : هو أَنْدَى مني صَوْتاً وأَكْثَرُ رِيقاً ، ولا أَقومُ له بالمُواجَهَةِ ولكنْ دَعوني أُهادِيه الشِّعْرَ مِن وَراءُ وَراءُ.
أوْ لا ، أَي : ليسَ بضِدِّ ، لأَنَّه بمعْنًى واحِدٍ ، وهو ما تَوارَى عَنْك يكونُ خَلْف ويكونُ قُدَّام وإليه ذَهَبَ الزجَّاج والآمِدِي في المُوازَنَةِ.
وقد ذَكَرَ المصنّفُ هذا اللَّفْظ في المَهْموزِ وجَزَمَ بأنَّه مَهْموزُ. ووهم الجَوْهرِي في ذِكْره هنا ، وتَراهُ قد تَبِعَه من غَيْرِ تَنْبِيه عليه ، وهو غَرِيبٌ وجَزَمَ هناك بالضِّدِيَّة كالجَوْهرِي ، وهنا ذَكَرَ القَوْلَيْن وذَكَرَ هناك تَصْغيرَ وَراء وأَهْمَلَه هنا ، وهو قُصُورٌ لا يَخْفى ، ثُم قولهُ : لأنَّه بمعْنًى وهو ما تَوارَى عنك ، فيه تأمّل. والذي صَرَّح به المُحقِّقون أنَّه في الأصْلِ مَصْدَر جُعِلَ ظَرْفاً فقد يُضافُ إلى الفاعِلِ فيُرادُ به ما يُتوارَى به وهو خَلْف ، وإلى المَفْعولِ فيُرادُ به ما يُواريه وهو قُدَّام ، فانَظُر ذلك.
والوَراءُ أَيْضاً : وَلَدُ الوَلَدِ ، سَبَقَ ذِكْرُه في الهَمْزِ ، وبه فَسَّر الشَّعْبي قولَه تعالى : (وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) (٢) وفي حديثِه : أنَّه رأَى مع رجُلٍ صَبِيّاً فقالَ : هذا ابْنُك؟
قالَ : ابنُ ابني ، قالَ : هو ابْنُك مِن الوَرَاءِ.
ووَرِيَ المُخُّ ، كوَلِيَ يَرِي وَرْياً : اكْتَنَزَ ؛ نقلَهُ الجَوْهرِي.
وفي الأساس : وَرَى النِّقْيُ وَرْياً : خَرَجَ منه وَدَكٌ كثيرٌ ؛ وهو مجازٌ. وممَّا يُسْتدرَكُ عليه : الوَرَى ، كفَتًى : داءٌ يصيبُ الرَّجُلَ والبَعيرَ في أجْوافِهِما ، مَقْصورٌ يُكْتَبُ بالياءِ.
يقالُ في دُعاءٍ للعَرَبِ به الوَرَى وحُمَّى خَيْبَر وشَرُّ ما يُرَى فإنَّه خَنْسَرَى (٣) ؛ وكانَ أبَو عَمرو (٤) الشَّيْباني والأصْمعي يقولان : لا نَعْرِفُ الوَرَى من الدَّاءِ ، بفَتْح الرَّاء ، وإنَّما هو الوَرْيُ ، بِتَسْكين الرَّاء.
وقالَ أَحمدُ بنُ عُبيدٍ : الدَّاءُ هو الوَرْيُ ، بتَسْكِين الراءِ ، فصُرِفَ إلى الوَرَى.
وقال ثَعْلب : هو بالتَّسْكِين المَصْدَر ، وبالفَتْح الاسْم.
وقالَ يَعْقوب : إنَّما قالوا الوَرَى للمُزاوَجَةِ ، وقد يقولونَ فيها ما لا يقولونَ في الإفْرادِ ؛ كلُّ ذلكَ نقلَهُ القالِي ومِثْله للأزْهرِي.
وقد وَرِيَ الرَّجلُ فهو مَوْرُوٌّ ، وبعضُهم يقولُ : مَوْرِيٌّ.
ويقالُ : وَرَّى الجُرْحَ سابرَه (٥) تَوْرِيَةً : أَصابَهُ الوَرْيُ ؛ قال العجَّاج :
عن قُلُبٍ ضُجْمٍ تُوَرِّي مَنْ سَبَرْ
(٦) كأنَّه يُعْدِي من عِظَمِه ونُفور النَّفْسِ عنه ؛ كذا في الصِّحاح.
قُلْتُ : هكذا أَنْشَدَه الأصْمعي للعجَّاج يَصِفُ الجراحات (٧) وصَدْرُه :
بَينَ الطِّراقَيْنِ ويَفْلِينَ الشَّعَرْ
أَي إنْ سَبَرها إنْسانٌ أَصابَهُ منه الوَرْيُ من شِدَّتِها.
وقالَ ابنُ جَبَلة : سَمِعْتُ ابنَ الأعْرابِي يقولُ في قولهِ
__________________
(١) اللسان والصحاح.
(٢) سورة هود الآية ٧١.
(٣) كذا بالأصل «خنسرى» عن ابن دريد ، من الخناسير وهي الدواهي ، وفي اللسان : خيسرى ، فيعلى من الخسران.
(٤) عن اللسان ، وبالأصل «أبو عمر».
(٥) في اللسان : «سائره» والأصل كالصحاح.
(٦) الصحاح والتهذيب واللسان وقبله فيه :
بين الطراقين ويفلين الشعر
(٧) عن اللسان والتهذيب وبالأصل «الخراجات».