قالَ الرَّاغبُ : أَصْلُه أَنْ يَخْلوَ به في نَجْوَةٍ من الأرضِ ؛ وقيلَ : أَصْلُه مِن النَّجاةِ وهو أنْ يُعاوِنَه على ما فيه خَلاصُه وأن تَنْجُو بسرِّك مِن أنْ يطَّلعَ عليه.
ونَجا نَجْواً نَكَهَهُ ؛ وفي الصِّحاح : اسْتَنْكَهَهُ ؛ قالَ الحكمُ بنُ عَبْدل :
نَجَوْتُ مُجالِداً فوَجَدْتُ منه |
|
كريحِ الكَلْبِ ماتَ حَديثَ عَهْدِ |
فقُلْتُ له مَتى اسْتَحْدَثْتَ هذا؟ |
|
فقال أَصابَني في جَوْفِ مَهْدِي (١) |
وقد رَدَّه الرَّاغبُ وقالَ : إن يَكُن حمل النَّجْو على هذا المَعْنى مِن أَجْلِ هذا البَيْت فليسَ في البَيْتِ حجَّةٌ له ، وإنَّما أَرادَ أنِّي سارَرْتُه فوَجَدْتُ مِن بخره رِيح الكَلْب المَيِّتِ ، فتأَمَّل.
والنَّجْو النَّجْوَى : السِّرُّ يكونُ بينَ اثْنَيْن ؛ نقلَهُ الجَوْهرِي ؛ كالنَّجِيِّ ، كغَنِيٍّ ؛ عن ابنِ سِيدَه. والنَّجْوَى : المُسارُّونَ ؛ ومنه قوله تعالى : (وَإِذْ هُمْ نَجْوى) (٢).
قالَ الجَوْهرِي : جَعَلَهم هُم النَّجْوَى ، وإنَّما النّجْوَى فِعْلُهم كما تقولُ : نقولُ : قومٌ رضاً وإنَّما الرِّضا فِعْلُهم ، انتَهَى ، اسْمٌ ومَصْدَرٌ ، قالَهُ الفرَّاءُ.
وقال الرَّاغبُ : أَصْلُه المَصْدَرُ وقد يُوصَفُ به ، فيُقالُ هو نَجْوَى وهُم نَجْوَى.
ونَاجاهُ مُناجاةً ونِجاءً ، ككِتابٍ : سارَّهُ ، وأَصْلُه أن يَخْلو به في نَجْوَةٍ مِن الأرضِ ، كما تقدَّمَ قَرِيباً. وفي حديثِ الشَّعْبي : «إذا عَظُمَت الحَلْقَة فهي بِذاءٌ أَو نِجاءٌ أَي مُناجاة ، يَعْني يكثُرُ فيها ذلك.
والاسْمُ : لمُناجاةُ. ومنه قوله تعالى : (إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ ، فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) (٣). وانْتَجاهُ : خَصَّهُ بمُناجاتِه.
وقال الرَّاغبُ : اسْتَخْلَصَهُ لسرِّهِ ؛ والاسْمُ النّجْوى ؛ نقلَهُ الجَوْهرِي ومنه حديثُ ابن عُمَر : «قيلَ له ما سَمِعْت مِن رَسُولِ الله ، صلىاللهعليهوسلم ، في النّجْوى يريدُ مُناجاةَ الله تعالى العَبْد يَوْم القِيامَةِ.
وانْتَجَى : قَعَدَ على نَجْوَةٍ مِن الأرضِ.
وانْتَجَى القَوْمُ : تَسارُّوا ؛ والاسْمُ النّجْوَى أَيْضاً ؛ ومنه حديثُ عليِّ ، رضياللهعنه : «وقد دَعاهُ رَسُولُ الله ، صلىاللهعليهوسلم ، يَوْمَ الطائِفِ فانْتَجاهُ فقالَ الناسُ : لقد طال نَجْواهُ ؛ فقال : ما انْتَجَيْتُه ولكنَّ الله انْتَجاهُ ، أَي أَمَرَني أن أُناجِيه».
ومنه أَيْضاً الحديثُ : «لا يَنْتَجِي اثْنانِ دُون صاحِبِهما» ، وأَنْشَدَ ابنُ برِّي :
قالت جَوارِي الحَيِّ لمَّا جِينا |
|
وهنَّ يَلْعَبْنَ ويَنْتَجِينا |
ما لِمَطَايا القَوْم قد وَجينا؟
كتَناجَوْا ؛ ومنه قولهُ تعالى : (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى) (٤). وفي الحديثِ : «لا يَتَناجَى اثْنانِ دُونَ الثَّالثِ ؛» والاسْمُ النّجْوَى.
والنَّجِيُّ كغَنِيِّ : من تُسارُّه ، وهو المُناجِي المُخاطبُ للإِنْسانِ والمحدِّثُ له ، ومنه موسَى نَجِيُّ الله ، صلى الله عليه وعلى نبيِّنا وسلم ، يكونُ للواحِدِ والجَمْع ؛ شاهِدُ الواحِدِ قولهُ تعالى : (وَقَرَّبْناهُ) (٥) نَجِيًّا وحينئذٍ ؛ ج أَنْجِيَّةٌ ؛ وشاهِدُ الجَمْع قولُه تعالى : (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا) (٦) أَي اعْتَزلُوا يَتَناجَوْنَ.
ونقلَ الجَوْهرِي عن الأخْفَش قالَ : وقد يكونُ النّجِيُّ جماعَةً مِثْل الصّدِّيق ، واسْتَدَلَّ بالآيَة.
وقال أَبو إِسْحق : النَّجِيُّ لَفْظ واحِد في مَعْنى جَمْع
__________________
(١) اللسان والأول في الصحاح والتهذيب والمفردات والمقاييس ٥ / ٣٩٨ بدون نسبة في المصادر.
(٢) سورة الإسراء ، الآية ٤٧.
(٣) سورة المجادلة ، الآية ١٢.
(٤) سورة المجادلة الآية ٩.
(٥) سورة مريم الآية ٥٢.
(٦) سورة يوسف الآية ٨٠.