الاخْتِبار (١) ؛ كَبَلَوْتُه بَلْواً وبَلاءً.
قالَ الرَّاغبُ : وإذا قيلَ ابتلى فلانٌ كذا وبَلَاهُ (٢) فذلِكَ يَتَضَمَّنُ أَمْرَيْن : أَحَدُهما : تَعَرّفُ حالهُ والوُقُوفُ على ما يُجْهَلُ مِن أَمْرِه ؛ والثاني : ظهورُ جودَتِه ورَداءَتِه ، ورُبَّما قُصِدَ به الأَمْران ، ورُبَّما يُقْصَدُ به أَحَدُهما ، فإذا قيلَ في الله بلى كذا وابْتَلاه (٣) ، فليسَ المُراد منه إلَّا ظُهُور جودَتِه ورَداءَته دونَ التَّعرُّفِ لحالِهِ والوُقُوفِ على ما يجهَلُ منه ، إذْ كانَ اللهُ علَّامَ الغُيُوبِ ، وعلى هذا قَوْلُه تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ) (٤).
والاسْمُ البَلْوَى والبَلِيَّةُ ، كغَنِيَّةٍ ؛ كذا بخطِّ الصقلي في نسخةِ الصِّحاحِ ، وبخطِّ أَبي زكريَّا البِلِيَّة بالكسْرِ ؛ والبِلْوَةُ ، بالكسْرِ كما في الصِّحاحِ أَيْضاً ، وجَمَعَ بيْنهما ابنُ سِيدَه زادَ : والبَلاءُ.
والبَلاءُ : الغَمُّ كأنَّه يُبْلي الجِسْمَ ، نَقَلَهُ الرَّاغبُ ؛ قالَ : والتَّكْليفُ بَلاءٌ مِن أَوْجُهٍ ، لأنَّه شاقٌ على البَدَنِ ، فصارَ بهذا الوَجْه بَلاءٌ ، أَو لأنَّه اخْتِبارٌ ، ولهذا قالَ تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصّابِرِينَ) (٥) ؛ أو لأنَّ اخْتِبارَ اللهِ العِبادَ تارَةً بالمَسَار ليَشْكرُوا وتارَةً بالمَضارِّ ليَصْبُروا.
ولهذا قالوا : البَلاءُ يكونُ مِنْحَةً ويكونُ مِحْنةً ، فالمِحْنَةُ مُقْتَضِيةٌ للصَّبْرِ ، والمِنْحَةُ أَعْظَمَ البَلاءَيْنِ. وبهذا النَّظَرِ قالَ عُمَرُ ، رضياللهعنه : «بُلِينا بالضَّرَّاءِ فصَبَرْنا وبُلِينا بالسَّرَّاءِ فلم نَصْبر» ولهذا قالَ عليٌّ ، رضياللهعنه : «مَنْ وسِّع عليه دُنْياهُ فلم يَعْلَم أنَّه مَكْرٌ به فهو مَخْدوعٌ عن عَقْلِه».
وقالَ تعالى : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) (٦) ، (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً) (٧) ؛ وقَوْلُه : (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) (٨) ، رَاجِعٌ إلى الأَمْرَيْن : إلى المِحْنَةِ التي في قوْلِه : (يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ) ، الآيَة ؛ وإلى المِنْحَة التي أَنْجاهُم ، وكَذلِكَ قَوْلُه تعالى : (وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ) (٩) ، راجِعٌ إلى الأَمْرَين ، كما وَصَفَ كتابَه بقَوْله : (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً) (١٠) ، الآيَة ، انتَهَى.
ويقولونَ : نَزَلَتْ بَلاءِ على الكُفَّارِ ، كقَطامِ ، أَي البَلاءُ.
قالَ الجَوْهرِيُّ : حَكَاهُ الأَحْمر عن العَرَبِ.
وأَبْلاهُ عُذْراً : أَدَّاهُ إليه فَقَبِلَهُ ؛ وقيلَ : بَيَّنَ وَجْهَ العذْرِ ليُزِيلَ عنه اللّومَ ؛ وكَذلِكَ أَبْلاهُ جُهداً ونائِلَهُ.
وفي الأساسِ : وحَقِيقَتُه جَعَله بالِياً لعُذْرِه ، أَي خَابِراً له عالِماً بكُنْهِه.
وفي حدِيثِ برِّ الوَالِدَيْن : «أَبْلِ الله تعالى عُذْراً في بِرّها» أَي أَعْطِه وأَبْلِغ العُذْرَ فيها إليه ، المعْنَى أَحْسِن فيمَا بَيْنك وبَيْنَ اللهِ ببِرِّك إيَّاها.
وأَبْلَى الرَّجُلَ يَمِيناً إِبلاءً أَحْلَفَهُ وأَبْلَى الرَّجُلَ : حَلَفَ له فطَيَّبَ بها نَفْسَه ؛ قالَ الشاعِرُ :
وإني لأُبْلِي الناسَ في حُبِّ غَيْرها |
|
فأَمَّا على جُمْلٍ فإنيَ لا أُبْلي (١١) |
أَي أَحْلف للناسَ إذا قالوا هل تحبُّ غَيْرها أَنِّي لا أُحبُّ غَيْرَها ، فأَمَّا عليها فإني لا أَحْلف ؛ وقالَ أَوْس :
كأنَّ جَدِيدَ الأَرضِ يُبْلِيكَ عَنْهُمُ |
|
تَقِيُّ اليَمِينِ بَعْدَ عَهْدِكَ حالِفُ (١٢) |
أَي يَحْلفُ لَكَ جَدِيدُ الأَرضِ أنَّه ما حَلَّ بهذه الدارِ أَحَدٌ لدُرُوسِ مَعاهِدِها ؛ وقالَ الراجزُ :
__________________
(١) في اللسان والصحاح : الاختبار.
(٢) في المفردات : وأبلاه.
(٣) في المفردات : بلا كذا أو أبلاه.
(٤) سورة البقرة ، الآية ١٢٤.
(٥) سورة محمد ، الآية ٣١.
(٦) سورة الأنبياء ، الآية ٣٥.
(٧) سورة الأنفال ، الآية ١٧.
(٨) سورة إبراهيم ، الآية ٦.
(٩) سورة الدخان ، الآية ٣٣.
(١٠) سورة فصلت ، الآية ٤٤.
(١١) اللسان ، وروايته في التهذيب :
وإني لأبلي في نساء سواءها |
|
فأما على ليلى فإني لا أُبلي |
(١٢) ديوان أوس بن حجر ط بيروت ص ٦٣ واللسان والمقاييس ١ / ٢٩٤ والتهذيب.