فيمنْ يَعْقِل وفيمَا لا يَعْقِل ، تقولُ : أَيُّهم أَخُوك ، وأَيُّهم يكْرِمْني أُكْرِمْه ، وهو مَعْرفَة للإِضافَةِ ، وقد تترك الإِضَافَة وفيه مَعْناها ، وقد تكونُ بمنْزِلَةِ الذي فتَحْتاج إلى صِلَةٍ تقولُ : أَيُّهم في الدارِ أَخُوك ؛ وقد تكونُ نَعْتاً للنّكِرَةِ تقولُ : مَرَرْتُ برَجُلٍ أَيِّ رجلٍ وأَيِّما رجلٍ ، ومَرَرْتُ بامْرأَةٍ أَيَّةِ امْرأَةٍ وبامْرأَتَيْن أَيَّتُما امْرَأَتَيْن ، وهذه امْرأَةٌ أَيَّةُ امْرأَةٍ وامْرَأَتانِ أَيَّتُما امْرَأَتَيْنِ ، وما زَائِدَة. وتقولُ في المَعْرفَةِ : هذا زَيْدٌ أَيَّما رجلٍ ، فتَنْصب أَيّاً على الحالِ ، وهذه أَمَةُ اللهِ أَيَّتُما جارِيَةٍ ، وتقولُ : أَيُّ امْرأَةٍ جاءَك ، وأَيَّةُ امْرأَةٍ جاءَتْكَ ، ومَرَرْت بجارِيَةٍ أَيِّ جارِيَةٍ ، وجِئْتُك بمُلأَةٍ أَيِّ مُلأَةٍ وأَيَّةِ مُلأَةٍ ، كُلُّ جائِزٌ. قالَ اللهُ تعالى : (وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) (١) ، وأَيُّ قَدْ يُتَعَجَّبُ بها ، قالَ جميلٌ :
بُثَيْنَ الْزَمِي لا إنَّ لا إِنْ لَزِمْتِهِ |
|
على كَثْرَةِ الواشِينَ أَيُّ مَعُونِ (٢) |
وقالَ الفرَّاءُ : أَيُّ يعْمَلُ فيه ما بَعْده ولا يَعْمَلُ فيه ما قَبْله ، كقَوْلِه تعالى : (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى) (٣) ، فرَفَعَ ، ومنه أَيْضاً : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (٤) فَنَصَبَه بما بَعْدِه ؛ وأَمَّا قَوْلُ الشاعِر :
تَصِيحُ بنا حَنِيفَةُ إِذْ رأَتْنَا |
|
وأَيَّ الأَرْضِ نَذْهَبُ للصِّياحِ (٥) |
فإنَّما نَصَبَه لنَزْعِ الخافِضِ ، يُريدُ إلى أَيِّ الأَرْضِ ، انتَهَى نَصُّ الجَوْهرِيّ.
وفي التَّهْذِيبِ : رُوِي عن أَحمدِ بنِ يَحْيَى والمبرِّدِ قالا : لأَيّ ثلاثَةُ أَحْوالٍ (٦) : تكونُ اسْتِفْهاماً ، وتكونُ تعجُّباً ، وتكونُ شَرْطاً : وإذا كانتِ اسْتِفْهاماً لم يَعْمَل فيها الفِعْلُ الذي قَبْلها ، وإنَّما يَرْفَعها أَو يَنْصِبُها ما بَعْدَها ، كقَوْلِ اللهِ تعالى : (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى) ، قالا : عَمِلَ الفِعْلُ في المعْنَى لا في اللّفْظِ كأَنَّه قالَ : لنَعْلَم أَيّاً مِن أَيِّ ، وسيعلم أَحَد هذين ، قالا : وأَمَّا المَنْصوبَةُ بما بَعْدها فكقَوْله تعالى : (سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) وقالَ الفرَّاءُ : أَيُّ إذا أَوْقَعْتَ الفِعْلَ المُتَقَدِّم عليها خَرَجَتْ مِن مَعْنى الاسْتِفهامِ ، وذلكَ إن أَرَدْته جائِز ، يقولونَ : لأَضْرِبَنّ أَيُّهم يقولُ ذلكَ (٧). وقالَ الفرَّاءُ : وأَيّ إِذا كانتْ جَزاءً فهو على مَذْهبِ الذي قالَ : وإذا كانتْ تعجُّباً لم يُجازَ بها ، لأنَّ التَّعجُّبَ لا يُجازَى به ، وهو كقَوْلِكَ : أَيُّ رجلٍ زيدٌ وأَيُّ جارِيَةٍ زينبُ ، قالَ : والعَرَبُ تقولُ : أَيّ وأَيّانِ وأَيُّونَ ، إذا أَفْرَدُوا أَيَّاً ثَنُّوْها وجَمَعُوها وأَنَّثُوها فقالوا أَيَّة وأَيَّتان وأَيَّاتٌ ، وإذا أَضافُوا إلى ظاهِرٍ أَفْرَدُوها وذكَّرُوها فقالوا أَيّ الرَّجُلَيْن وأَيُّ المَرْأَتَيْن. وأَيّ الرِّجال وأَيّ النِّساءِ ، وإذا أَضافُوا إلى المَكْنِيِّ المُوءَنَّثِ ذكَّرُوا وأَنَّثُوا فقالوا أَيّهما وأَيَّتهما للمرْأَتَيْن ؛ وقالَ زهيرٌ في لُغَةِ مَنْ أَنَّثَ :
وزَوَّدُوكَ اشْتِياقاً أَيَّةً سَلَكوا (٨)
أَرادَ أَيَّةَ وُجْهَةٍ سَلَكُوا ، فأنَّثها حينَ لم يصفْها.
وفي الصِّحاحِ : وقد يُحْكَى بأَيِّ النكراتُ ما يَعْقِلُ وما لا يَعْقِلُ ، ويُسْتَفْهمُ بها ، وإذا اسْتَفْهَمتَ بها عن نَكِرَةٍ أَعْرَبْتها بإعْرابِ الاسم الذي هو اسْتِثْباتٌ عنه ، فإذا قيلَ لكَ : مَرَّ بي رجُلٌ ، قُلْتَ : أَيٌّ يا فتى؟ تَعْربها في الوَصْل وتُشِيرُ إلى الإعْرابِ في الوقْفِ ، فإن قالَ : رأَيْت رجلاً ، قلْتَ : أَيّاً يا فتى؟ تعربُ وتنوِّنُ إذا وَصَلْتَ وتَقِفُ على الألفِ فتقولُ أَيّاً ، وإذا قالَ : مَرَرْتُ برجُلٍ قلْتَ : أَيِّ يا فتى؟ تحكِي كَلامَه في الرفْعِ والنَّصْبِ والجرِّ في حالِ الوَصْلِ والوَقْف ، وتقولُ في التَّثْنيةِ والجَمْعِ والتأْنِيثِ كما قُلْناه في من ، إذا قالَ : جاءَني رِجالٌ ، قلْتَ : أيُّونْ ، ساكِنَةَ النونِ ، وأَيَّيِّن في النصْبِ والجرِّ ، وأَيَّة للمُؤَنَّثِ :
__________________
(١) لقمان الآية ٣٤.
(٢) اللسان والتكملة والصحاح ، وليس في ديوانه.
(٣) سورة الكهف ، الآية ١٢.
(٤) سورة الشعراء ، الآية ٢٢٧.
(٥) الصحاح واللسان.
(٦) في التهذيب : «أصول».
(٧) زيد في التهذيب بعدها : لأن الضرب لا يأتي على اسمٍ يأتي بعد ذلك استفهام. وذلك أن الضرب لا يقع على اثنين.
(٨) ديوانه ط بيروت ص ٤٧ وصدره :
فإن الخليط ولم يأووا لمن تركوا
وعجزه في اللسان والتهذيب.