أَي لا يَتَحَبَّس على إدْرَاكِ القِدْرِ ليَأْكُلَ ؛ وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي للحُطَيْئة :
ولا تَأَرَّى لمَا في القِدْرِ يَرْقُبُه |
|
ولا يَقُومُ بأَعْلى الفَجْر يَنْتَطِق (١) |
وتَأَرَّى الشَّيءَ : تَحَرَّاهُ ؛ وبه فَسَّرَ أَبو زيْدٍ قَوْلَ أَعْشى باهِلَةَ ؛ كما في الصِّحاح.
والآرِيُّ ، بالمدِّ والتَّشديدِ ويُخَفَّفُ ، الآخِيَّةُ (٢) سُمِّيت بها لأنَّها تَحْبسُ الدوابَّ عن الانْفِلاتِ ؛ وأَنْشَدَ ابنُ السِّكِّيت للمُثَقِّب العَبْديِّ يَصِفُ فَرَساً :
داوَيْتُه بالمحْض حتَّى شَتا |
|
يَجْتَذِبُ الآرِيَّ بالمِرْوَدِ (٣) |
أَي مَعَ المِرْوَدِ ، وأَرادَ بآرِيِّه : الرَّكَاسَةَ المَدْفونَةَ تَحْتَ الأرضِ المُثْبتةِ فيها تُشَدُّ الدابَّةُ مِن عُرْوَتها البَارِزَة فلا تَقْلَعُها لثَباتِها في الأرضِ.
قالَ الجَوْهرِيُّ : وهو في التَّقْديرِ فاعُولٌ ، والجَمْعُ الأَوارِي ، يُشَدَّدُ ويُخَفَّفُ. ومنه أَرَّيتُها ، أَي الدابَّةَ ، ولم يَتَقدَّمْ لها ذِكْرٌ ، وإنَّما هو كقَوْلِه تعالى : (حَتّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) (٤).
وأَرَّيْتُ لها أَيْضاً تَأْرِيَةً : جَعَلْتُ لها آرِيَّةً ، وعلى الأُولى اقْتَصَرَ الجَوْهريُّ. وأَرَّيْتُ الشَّيءَ تَأْرِيَةً : أَثْبَتُّه ومَكَّنْتُه ؛ ومنه الحدِيثُ : «اللهُمَّ أَرِّ ما بَيْنَهم» ، أَي ثَبِّت الوُدَّ ومَكِّنْه ، يَدْعُو للرَّجُل وامْرَأَته.
ورَوَى أَبو عبيدَةَ : أَنَّ رَجُلاً شَكَا إلى رَسُولِ اللهِ صَلَى الله عليه وسلّم ، امْرَأَتَه فقالَ : «أَرِّ بَيْنَهما» ؛ قالَ أَبو عبيدَةَ : يَعْنِي أَثْبت بَيْنَهما. ويُرْوَى أنَّ هذا الدّعاءَ لعليِّ وفاطِمَةَ ، رَضِيَ اللهُ تعالى عنهما.
ورَوَى ابنُ الأثيرِ أَنَّه دُعاءٌ لامْرأَةٍ كانتْ تَفْرَك زَوْجها ، فقالَ : «اللهُمَّ أَرِّ بَيْنَهما» ، أَي أَلِّف وأَثْبت الوُدَّ بَيْنَهما.
ورَوَاهُ ابنُ الأَنْبارِي : «اللهُمَّ أَرِّ كلَّ واحِدٍ منهما صاحِبَه» ، أَي احْبِس كلًّا منهما على صاحِبِه حتى لا يَنْصرِف قَلْبه إلى غيرِهِ ، قالَ : والصَّوابُ في هذه الرِّوايَة : على صاحِبِه ، فإن صحَّتِ الرِّوايَة بحَذْفِ على فيكونُ كقَوْلِهم : تَعَلَّقْتُ بفلانٍ وتَعَلَّقْتُ فلاناً.
وأَرَّيْتُ النَّارَ : عَظَّمْتُها ورفَعْتُها.
وفي الصِّحاحِ : أَرَّيْتُ النارَ تَأْرِيَةً : ذَكَّيْتُها.
قالَ ابنُ بَرِّي : هو تَصْحيفٌ وإنَّما هو أَرَّثْتُها ، واسمُ ما تلْقِيه عليها الأُرْثَة.
* قُلْتُ : ليسَ بتَصْحيفٍ لأنَّ أَبا زيْدٍ نَقَلَهُ هكذا في النَّوادِرِ فقالَ : أَرَّيْتُ النارَ تَأْرِيَةً ونَمَّيْتها تَنْمِيةً ، وذَكَّيْتها تَذْكِيَةً إذا رَفَعْتها. يقالُ : أَرِّ نارَكَ.
قالَ الأَزْهرِيُّ : أَحْسَب أَبا زيْدٍ جَعَلَ أَرَّيْت النَّارَ مِنْ وَرَّيْتَها ، فقَلَبَ الواوَ هَمْزةً ، كما قالوا : أَكَّدْت اليَمِينَ ووَكَّدْتها وأَرَّثْت النَّارَ ووَرَّثْتها.
وأَرَّيْتُها وأَرَّيْتُ لها : جَعَلْتُ لها إِرَةً ؛ عن أَبي حنيفَةَ.
قالَ ابنُ سِيدَه : وهذا لا يصحُّ إلَّا أَنْ يكونَ مَقْلوباً مِن وَأَرْتُ ، إمَّا مُسْتَعْمَلَة ، أو مُتَوَهَّمة.
وحكِي عن بعضِهم : يقالُ : أَرِّ نارَك ولنَارِكَ ، أَي افْتَح وسَطَها لِيَتَّسِعَ المَوْضِع للجَمْر.
وأَرَّيْتُ عن الأمْرِ : مثْلُ وَرَّيْتُ ، الهَمْزَةُ بَدَلٌ من الواوِ.
* وممَّا يُسْتدركُ عليه :
الأَرْيُ : اللَّبَنُ يُلْصَقُ وَضَرُه بالإناءِ ؛ وقد أَرِيَ كَرَضِيَ وأَرْيُ القِدْرِ والنَّارِ : حَرُّهُما.
والأَرْيُ : الغَيْظُ في الصدْرِ أَو حَرُّه فيه ؛ وأَنْشَدَ ابنُ الأَعْرابيّ :
__________________
(١) تكملة ديوان الحطيئة ص ٢٦٤ برواية :
.... ترصده |
|
ولا تقوم بأعلى الفجر تنتطق |
والمثبت كرواية اللسان.
(٢) في القاموس : الأخيّة.
(٣) اللسان والصحاح والتهذيب.
(٤) سورة ص الآية ٣٢.