الأَفْعالِ ، بل الذي يُظْهِرُ خِلافَ ما قالَهُ فإنَّ الإعْطاءَ أَقْوَى مِنَ الإيتاءِ ، ولذا خَصَّ في دفْعِ الصَّدَقاتِ الإيتاءَ ليكونَ ذلِكَ بسُهولَةٍ من غَيْرِ تَطَلّعٍ إلى ما يَدْفَعه ، وتَأَمَّل سائِرَ ما وَرَدَ في القُرْآنِ تَجِدُ مَعْنَى ذلِكَ فيه ، والكَوْثَرُ لمَّا كانَ عَظِيماً شَأْنَهُ غَيْر داخِلٍ في حِيطَةِ قدْرَةٍ بَشَريَّةٍ اسْتُعْمِل الإعْطاءُ فيه. وكَلامُ الأَئمَّة وسِياقُهم في الإيتاءِ لا يُخالِفُ ما ذَكَرْنا ، فتأَمَّل والله أَعْلَم.
وآتَى فلاناً : جازَاهُ ؛ وقد قُرِئَ قَوْلُه تعالى : (وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها) (١) ، بالقَصْر والمدِّ ، فعلى القَصْرِ جئْنا ، وعلى المدِّ أَعْطَينا ، وقيلَ : جازَيْنا ، فإنْ كانَ آتيْنا أَعْطَيْنا فهو أَفْعَلْنا ، وإن كانَ جازَيْنا فهو فاعَلْنا.
وقَوْلُه تعالى : وَلا يُفْلِحُ السّاحِرُ حَيْثُ أَتى (٢) ، قالوا في مَعْناه : أَي حيثُ كانَ ، وقيلَ : مَعْناه حيثُ كانَ الساحِرُ يجبُ أَنْ يُقْتَلَ ، وكَذلِكَ مَذْهَبُ أَهْلِ الفِقْه في السَّحَرةِ.
وطريقٌ مِئْتاةٌ ، بالكسْرِ ؛ كذا في النسخِ والصَّوابُ مِئْتاءٌ ؛ عامِرٌ واضِحٌ ؛ هكذا رَوَاهُ ثَعْلَب بالهَمْزِ قالَ : وهو مِفْعالٌ مِن أَتَيْت ، أَي يَأْتِيه الناسُ ؛ ومنه الحدِيثُ : «لو لا أنَّه وَعْدٌ حَقُّ وقولٌ صِدْقٌ وطريقٌ مِئْتاةٌ لحَزَنَّا عليكَ يا إبراهيمَ» ؛ أَرادَ أَنَّ المْوتَ طَريقٌ مَسْلوكٌ ، يَسْلُكُهُ كلُّ أَحدٍ.
قالَ السَّمين : وما أَحْسَن هذه الاسْتِعارَة وأَرْشَق هذه الإشارَة.
ورَوَاهُ أَبو عبيدٍ في المُصَنَّفِ : طريقٌ مِيتَاء بغيرِ هَمْزٍ ، جَعلَه فِيعالاً.
قالَ ابنُ سِيدَه : فِيعالٌ مِن أَبْنيةِ المَصادِرِ ، ومِيتاءُ ليسَ مَصْدراً إنَّما هو صفَةٌ ، فالصَّحِيحُ فيه ما رَوَاهُ ثَعْلَب وفَسَّره قالَ : وكان لنا أَنْ نَقولَ إنَّ أَبا عبيدٍ أَرادَ الهَمْزَ فتَرَكَه إلَّا أَنَّه عَقَدَ البابَ (٣) بِفِعْلاءَ ففَضَحَ ذاتَه وأَبانَ هِنَاتِه. وهو مُجْتَمَعُ الطَّريقِ أَيْضاً ، كالمِيدَاءَ.
وقالَ شَمِرٌ مَحجَّتُه ، وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي لحميدٍ الأَرْقَط :
إذا انْضَزَّ مِئْتاءُ الطَّريقِ عليهما |
|
مَضَتْ قُدُماً برح الحزامِ زَهُوقُ (٤) |
والمِيتاءُ : بمعْنَى التِّلْقاءِ. يقالُ : دارِي بمِيتاء دارِ فُلانٍ ومِيداءِ دارِ فُلانٍ ، أَي تِلْقاءَ دارِهِ.
وبَنى القَوْمُ دارَهُم على مِيتاءٍ واحِدٍ ومِيداءٍ واحِدٍ.
ومَأْتَى الأَمْرِ ومَأْتاتُهُ : جِهَتُه ووَجْهُه الذي يُؤْتَى منه.
يقالُ : أَتَى الأَمْرَ من مَأْتاتِهِ ، أَي مَأْتاهُ ، كما تقولُ : ما أَحْسَنَ مَعْناةُ هذا الكَلامِ ، تُريدُ مَعْناهُ ؛ نَقَلَهُ الجوْهرِيُّ ، ، وأَنشَدَ للرَّاجزِ :
وحاجةٍ كنتُ على صُمِاتِها |
|
أَتَيْتُها وحْدِي على مَأْتاتِها (٥) |
والإِتَى ، كرِضاً (٦) ؛ وضَبَطَه بعضٌ كعَدِيِّ ، والأَتاءُ ، كسَماءٍ ، وضَبَطَه بعضٌ ككِساءٍ : ما يَقَعُ فِي النَّهْرِ من خَشَبٍ أَو وَرَقٍ ، ج آتاءُ ، بالمدِّ.
وأُتِيٌّ ، كَعُتِيّ ، وكلُّ ذَلِكَ مِن الإتْيانِ. ومنه : سَيْلٌ أَتِيٌّ وأَتاوِيٌّ إذا كانَ لا يُدْرَى مِن أَيْنَ أَتى ، وقد ذُكِرَ قَرِيباً ، فهي واوِيَّةٌ يائِيَّةٌ.
وأَتِيَّةُ الجُرْحِ ، كعَلِيَّةٍ ، وإئِتِّيَّتُه ، بكسْرٍ فتَشْديدِ تاءٍ مكْسُورَةٍ وفي بعضِ النسخِ آتِيَتُه بالمدِّ ؛ مادَّتُه وما يَأْتِي منه ؛ عن أَبي عليِّ ، لأنَّها تَأْتِيهِ مِن مَصَبِّها.
وأَتَى الأَمْرَ والذَّنْبَ : فَعَلَهُ.
ومِن المجازِ : أَتَى عليه الدَّهْرُ ، أَي أَهْلَكَهُ ؛ ومنه الأَتُو للمَوْتِ وقد تقدَّمَ.
واسْتَأَتَتِ النَّاقَةُ اسْتِئْتاءً : ضَبِعَتْ وأَرادَتِ الفَحْلَ.
__________________
(١) الأنبياء الآية ٤٧.
(٢) طه الآية ٦٩.
(٣) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله : عقد الباب بفعلاء ، هكذا في خطه ، ولعله : لفيعال. ا ه». والأصل كاللسان.
(٤) اللسان وكتب مصححه بهامشه : قوله إذا انضز الخ هكذا. في الأصل هنا ، وتقدم في مادتي ميت وميد ببعض تغيير.
(٥) اللسان والصحاح والمقاييس ١ / ٥١ وفيها : «من مأتاتها» والأساس وفيها «وحاجة بت ... من مأتاتها».
(٦) في النسخة الحسنية «والأَتِيّ كرَضِيِّ».