فقالَ له : حَنَنْت يا ابنَ السَّوْداءِ ويقالُ : ما لَهُ حانَّةٌ ولا أَنَّةٌ أَي ناقَةٌ ولا شاةُ.
وقالَ أَبو زيدٍ : يقالُ : ما لَهُ حانَّةٌ ولا جارَّةٌ ، فالحانَّةُ : الإِبِلُ التي تَحِنُّ ، والجارَّةُ : الحَمُولَةُ تَحْمِلُ المتاعَ والطَّعامَ ؛ وقد ذُكِرَ شيءٌ مِن ذلك في أ ن ن ؛ كالمُسْتَحِنِّ ؛ قالَ الأَعْشَى :
تَرَى الشَّيْخَ منها يُحِبُّ الإِيا |
|
بَ يَرْجُفُ كالشارِفِ المُسْتَحِنّ (١) |
كما في الصِّحاحِ.
قالَ ابنُ بَرِّي : والمُسْتَحِنُّ : الذي اسْتَحَنَّه الشوقُ إلى وَطَنِه ؛ قالَ : ومثلُه ليزيدَ بنِ النُّعْمانِ الأَشْعَريّ :
لقد تَرَكَتْ فُؤَادَك مُسْتَحِنَّاً |
|
مُطَوَّقَةٌ على غُصْنٍ تَغَنَّى (٢) |
والحَنَّانَةُ : القَوْسُ ، اسْمٌ لها عَلَمٌ ، هذا قَوْلُ أَبي حَنِيفَةَ وَحْده.
قالَ ابنُ سِيْدَه : ونحنُ لا نَعْلم أَنَّ القَوْسَ تُسَمَّى حَنَّانَة إنَّما هو صفة تَغْلِبُ عليها غَلَبة الاسْمِ ، فإن كانَ أَبو حنيفَةَ أَرادَ هذا ، وإِلَّا فقد أَساءَ التَّعْبيرَ.
أَو هي المُصَوِّتَةُ منها عنْد الإِنْباضِ ؛ وأَنْشَدَ الجَوْهرِيُّ :
وفي مَنْكِبَيْ حَنَّانةٍ عُودُ نَبْعَةٍ |
|
تَخَيَّرَها لي سُوقَ مَكَّةَ بائِعُ (٣) |
أَي في سُوقِ مكَّةَ ؛ وأَنْشَدَ أَبو حنيفَةَ :
حَنَّانةٌ من نَشَمِ أَو تأْلَبِ
وقد حَنَّتْ تَحنُّ حَنِيناً : صَوَّتَتْ ، وأَحَنَّها صاحبُها : صَوَّتها ؛ وفي بعْضِ الأَخْبارِ : أَنَّ رَجلاً أَوْصى ابْنَه فقالَ : لا تَتَزَوَّجَنَّ حَنَّانَةً ولا مَنَّانَة.
وقالَ رجلٌ لابْنِه : يا بُنيَّ إِيَّاكَ والرَّقُوبَ الغضُوبَ الأَنَّانةَ الحَنَّانَةَ المَنَّانَةَ ؛ فالحَنَّانَةُ : التي كانَ لها زَوْجٌ قَبْلُ فَتَذْكُرُه بالحَنِينِ والتَّحَزُّنُ رِقَّة على وُلْدِها إذا كانوا صِغاراً ليَقومَ الزَّوجُ بأَمْرِهم. وقد مَرَّ هذا المَعْنى بعَيْنِه في الأَنَّانَة.
وقيلَ : الحَنَّانَةُ التي تَحِنُّ إلى زَوْجِها الأَوَّل وتعطِفُ عليه ؛ وقيلَ : هي التي تَحِنُّ على ولدِها الذي مِن زَوْجِها المُفارِقِ لها.
والحَنانُ ، كسَحابٍ : الرَّحْمَةُ والعَطْفُ ؛ وبه فَسَّر الفرَّاءُ قَوْلَه تعالَى : (وَحَناناً) (٤) (مِنْ لَدُنّا) : أَي وفَعَلْنا ذلكَ رَحْمة لأَبَوَيْكَ ؛ وقَوْلُ امْرئِ القَيْس :
ويَمْنَعُها بَنُو شَمَجَى بنِ جَرْم |
|
مَعِيزَهُمُ حَنانَكَ ذا الحَنانِ (٥) |
قالَ ابنُ الأَعْرابيّ : مَعْناه رَحْمَتك يا رحمنُ.
وأَيْضاً : الرِّزْقُ.
وأَيْضاً : البَرَكَةُ.
وأَيْضاً : الهَيْبَةُ. يقالُ : ما تَرَى له حَناناً ، أَي هَيْبَةً ؛ عن الأُمَويّ.
وأَيْضاً : الوَقارُ.
وأَيْضاً : رِقَّةُ القَلْبِ ، وهو مَعْنَى الرَّحْمة.
قالَ الرَّاغِبُ : ولمَّا كانَ الحَنِينُ مُتَضَمِّناً للاشْتِياقِ (٦) ، والاشْتِياقُ لا يَنْفكّ عن الرَّحْمةِ عَبَّر به عن الرَّحْمةِ في قَوْلِه تعالَى : (وَحَناناً مِنْ لَدُنّا).
وفي الصِّحاحِ : وذَكَرَ عكرِمةُ عن ابنِ عبَّاسٍ ، رَضِيَ اللهُ تعالَى عنهما في هذه الآيةِ أَنَّه قالَ : ما أَدْرِي ما الحَنانُ.
__________________
(١) ديوانه ط بيروت ص ٢١٠ برواية : «لحب الآيات» واللسان والصحاح.
(٢) اللسان.
(٣) اللسان والصحاح والمقاييس ٢ / ٢٥ ، والأساس برواية :
تخيرها سوق المدينة بائع
(٤) مريم ، الآية ١٣.
(٥) ديوانه ط بيروت ص ١٧٦ واللسان ، والصحاح وفيها : «وتمنحها» والتهذيب وفيه : «ويمنحها» ومقاييس اللغة ٢ / ٢٥ برواية :
مجاورة بني شمجي بن جرم |
|
حنانك ربنا يا ذا الحنان |
(٦) في المفردات : للإشفاق ، والإشفاقُ.