اللهُ يَعْلَمُهُمْ) (١) ؛ والثاني إلى مَفْعولَيْن نحْوَ قوْلِهِ تعالَى : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ) (٢).
قالَ : وِالعِلْمُ مِن وَجْه ضَرْبان : نَظَريٌّ وعَمَليٌّ ؛ فالنَّظَريُّ ما إذا عُلِمَ فقد كَمَلَ نحْو العِلْم بمَوْجُوداتِ العالَمِ ، والعَمَليُّ ما لا يتمُّ إلَّا بأنْ يعلمَ (٣) كالعلْمِ بالعِبادَاتِ. ومِن وَجْهٍ آخَر ضَرْبان : عَقْليٌّ وسَمْعيٌّ انتَهَى.
وقالَ المَناوِيُّ في التَّوقيفِ : العلْمُ هو الاعْتِقادُ الجازِمُ الثابِتُ المُطابقُ للواقِعِ ، أَو هو صفَةٌ تُوجبُ تَمْييزاً لا يَحْتَملُ النَّقِيضَ ، أَو هو حصولُ صُورَةِ الشيءِ في العقْلِ ؛ والأَوَّلُ أَخَصّ.
وفي البَصائِرِ : المَعْرفَةُ إدْراكُ الشيءِ بتفَكّرٍ وتَدَبّرٍ لأَثَرِه وهي أَخَصُّ مِن العلْمِ ، والفرْقُ بَيْنها وبينَ العلْمِ مِن وُجُوهٍ لَفْظاً ومعْنًى ، أَمَّا اللَّفْظُ ففعْلُ المَعْرفَةِ يقَعُ على مَفْعولٍ واحِدٍ وفعْلُ العلْمِ يَقْتضِي مَفْعولَيْن ، وإذا وَقَعَ على مَفْعولٍ كانَ بمعْنَى المَعْرفَةِ ؛ وأَمَّا مِن جهَةِ المعْنَى فمنْ وُجُوهٍ : أَحدُها : أَنَ المعْرفَةَ تَتَعلَّقُ بذاتِ الشيءِ وِالعِلْمَ يَتَعلَّقُ بأَحْوالِهِ ؛ والثاني : أَنَّ المَعْرفَةَ في الغالِبِ تكونُ لمَا غابَ عن القلْبِ بعدَ إدْراكِهِ فإذا أَدْرَكَه قيلَ عَرَفَه بخِلافِ العلْمِ ، فالمعْرِفَةُ نسْبَةُ الذّكْر النفْسِي ، وهو حُضُورُ ما كانَ غائِباً عن الذَّاكِرِ ، ولهذا كان ضِدّها الإنْكارُ وضِدُّ العلْمِ الجَهْل ؛ والثالِثُ : أَنَّ المَعْرفَةَ عِلْم لعَيْن الشيءِ مفصلاً عمَّا سِوَاهُ بخِلافِ العلْمِ فإنَّه قد يَتَعلَّقُ بالشيءِ مجملاً ولهم فروقٌ أُخَرُ غَيْر ما ذَكَرْنا.
وقوْلُه : وِعَلِمَ هو في نفْسِه هكذا في سائِرِ النسخِ ، وصَرِيحُه أَنَّه كسَمِعَ لأنَّه لم يَضْبطْه فهو كالأوَّلِ ، وعليه مَشَى شيْخُنا في حاشِيَتِه فإنَّه قالَ. وإنَّه يَتَعدَّى في المَعْنَيَيْن الأَوَّلَيْن ، والصَّوابُ أَنَّه مِن حَدِّ كَرُمَ كما هو في المُحْكَمِ ونَصّه وِعلم هو نفسه وسَيَأْتي ما يدلُّ عليه مِن كَلامِ ابنِ جنيِّ قَرِيباً.
وِرجُلٌ عالِمٌ وِعَلِيمٌ ج عُلَماءُ فيهما جَمِيعاً. قالَ سِيْبَوَيْه : يقولُ عُلَماء من لا يقولُ (٤) إلَّا عالِماً.
قالَ ابنُ جنِّي : لمَّا كانَ العِلْمُ قد يكون الوَصْفَ به بعدَ المُزاوَلَةِ له وطُولِ المُلابَسَةِ صارَ كأَنَّه غَريزةٌ ، ولم يكنْ على أَوَّلِ دُخولِهِ فيه ، ولو كانَ كَذلِكَ لكانَ مُتَعلِّماً لا عالِماً ، فلمَّا خَرَجَ بالغَريزَةِ إلى بابِ فَعُل صارَ عالمٌ في المعْنَى كعَلِيمٍ ، فكُسِّرَ تَكْسيرَه ، ثم حملُوا عليه ضدَّه فقالوا جُهَلاء كعُلَماء ، وصارَ عُلَماءُ كَحُلَماء لأَنَّ العِلْمَ مَحْلَمةٌ لصاحِبِه ، وعلى ذلِكَ جاءَ عنهم فاحِشٌ وفُحَشاء لَمَّا كان الفُحْشُ مِن ضُروبِ الجَهْلِ ونَقِيضاً للحِلْم ، فتأَمَّل ذلِكَ.
قالَ ابنُ بَرِّي : وِيقالُ في جَمْعِ عالِمٍ عُلَّامٌ أَيْضاً كجُهَّالٍ في جاهِلٍ ؛ قالَ يَزيدُ بنُ الحَكَم :
وِمُسْتَرِقُ القَصائِدِ والمُضاهِي |
|
سَواءٌ عندَ عُلَّام الرِّجالِ (٥) |
وِعَلَّمَهُ العِلْمَ تَعْلِيماً وعِلَّاماً ككذَّابٍ ، فتَعَلَّم ، وليسَ التَّشْديدُ هنا للتَّكْثيرِ كما قالَهُ الجَوْهَرِيُّ ، وِأَعْلَمَهُ إيَّاه فَتَعَلَّمَهُ ، وهو صَرِيحٌ في أَنَّ التَّعْليمَ والإعْلامَ شيءٌ واحدٌ ، وفَرَّقَ سِيْبَوَيْه بَيْنهما فقالَ : عَلِمْتُ كأَذِنْتُ ، وِأَعْلَمْت كآذَنْت.
وقالَ الرَّاغبُ : إلَّا أَنَّ الإعْلامَ اخْتَصَّ بمَا كان بإِخْبارٍ سرِيعٍ ، وِالتَّعْليم اخْتَصَّ بمَا يكونُ بتَكْريرٍ وتَكْثيرٍ حينَ (٦) يحْصَلُ منه أَثَرٌ في نفْسِ المُتَعَلِّمِ.
وقالَ بعضُهم : التَّعْليمُ تَنْبِيهُ النفَسِ لتَصوّرِ المَعاني ، وِالتَّعَلُّم تنبه النَّفْسِ لتَصَوّرِ ذلِكَ ، ورُبَّما اسْتُعْمِل في معْنَى الإعْلامِ إِذا كان فيه تَكْثيرٌ نحْو قوْلِهِ تعالَى : (تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اللهُ) (٧).
قالَ : وِتَعْلِيم آدَمَ الأَسْماء هو أَنْ جَعَلَ له قُوَّةً بهَا نَطَقَ ووَضَعَ أَسْماءَ الأَشْياءِ ، وذلِكَ بإلْقائِهِ في رَوْعِه ، وِكتَعْلِيمه الحَيوانَاتِ كلّ واحِدٍ منها فِعْلاً يَتَعاطَاهُ وصَوْتاً يَتَحرَّاهُ.
وِالعَلَّامَةُ ، مُشَدَّدَةً ، وعليه اقْتَصَر الجَوْهَرِيُّ ، وِالعَلَّامُ ، كشَدَّادٍ وزُنَّارٍ ، نَقَلَهما ابنُ سِيْدَه ، والأَخيرُ عن اللّحْيانيّ ،
__________________
(١) سورة الأنفال الآية ٦٠.
(٢) سورة الممتحنة الآية ١٠.
(٣) في المفردات : يعمل.
(٤) بهامش المطبوعة المصرية : قوله : من لا يقول إلا عالماً ، هكذا في الأصل ، ولعل الأولى حذف «إلا» ، تأمل».
(٥) اللسان.
(٦) في المفردات : حتى.
(٧) المائدة الآية ٤.