قالَ الجَوْهرِيُّ : ومِن أَمْثالِهِم : مَنْ أَشْبَه أَباه فما ظَلَم.
قالَ الأَصْمَعيُّ : أَي ما وضعَ الشَّبَه في غيرِ مَوْضِعِه.
ويقالُ أَيْضاً : مَنِ اسْتَرْعَى الذِّئْبَ فقد ظَلَمَ.
قالَ الرَّاغِبُ : ويقالُ في مُجاوَزَةِ الحَدِّ (١) الذي يَجْري مجْرَى نقْطَة الدَّائِرَةِ ، ويقالُ فيمَا يَكْثر وفيمَا يَقلُّ مِن التَّجاوزِ ، ولهذا يُسْتَعْمل في الذَّنْبِ الكَبيرِ وفي الذنْبِ الصَّغير ، ولذلِكَ قيلَ لآدَمَ ، عليهالسلام في تعدِّيه ظالِمٌ وفي إِبْليس ظالِمٌ وإِن كانَ بينَ الظّلْمين بَوْنِ بَعِيدٌ.
ونَقَلَ شيْخُنا عن بعضِ أَئمَّةِ الاشْتِقاقِ أَنَّ الظُّلْم في أَصْلِ اللُّغَةِ النَّقْص واسْتُعْمِل في كَلامِ الشارِعِ لمعانٍ منها الكُفْر ومنها الكَبائِر.
قلْتُ : وتَفْصِيلُ ذلِكَ في كَلامِ الرَّاغِبِ حيثُ قالَ : قالَ بعضُ الحُكَماء : الظُّلْم ثلاثَةٌ :
الأَوَّل : ظُلْمٌ بينَ الإِنْسانِ وبينَ اللهِ تعالَى ، وأَعْظَمه الكُفْر والشّرْك والنِّفاق ولذلِكَ قالَ ، عزوجل : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (٢).
والثاني : ظُلْمٌ بَيْنه وبينَ الناسِ وإِيَّاه قصدَ بقوْلِه : (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّاسَ) (٣) ، وبقوْلِه : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) (٤).
والثالِثُ : ظُلْمٌ بيْنه وبينَ نفْسِه وإِيَّاه قصد بقوْلِه تعالَى : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) (٥) ، وقوْله تعالَى : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظّالِمِينَ) (٦) أَي أَنْفُسهم ، وقوْله : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) (٧). وكلُّ هذه الثَّلاثَة في الحَقِيقَةِ ظُلْمٌ للنَّفْسِ ، فإِنَّ الإِنْسانَ في أَوَّل ما يهمُّ بالظُّلْم فقد ظَلَمَ نفْسَه ، فإِذاً الظّالِمُ أَبَداً مُبْتَدِئٌ بنفْسِه في الظُّلْم ، ولهذا قالَ تعالَى في غيرِ مَوْضعٍ : (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٨) ، وقَوْلُه تعالَى : (وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ) (٩) بِظُلْمٍ ، فقد قيلَ : هو الشّرْك ، انتَهَى.
وِالمَصْدَرُ الحَقِيقيُّ الظَّلْمُ بالفَتحِ ، وبالضمِّ : الاسمُ يقومُ مَقامَ المَصْدَر ، وأَنْشَدَ ثَعْلَب :
ظَلَمْتُ وفي ظَلْمِي له عامِداً أَجْرٌ (١٠)
قالَ الأَزْهرِيُّ : هكذا سَمِعْتُ العَرَبَ تنشدُهُ بفَتْحِ الظاءِ.
ظَلَمَ يَظْلِمُ ظَلْماً ، بالفَتْحِ ، كذا وُجِدَ في نسخِ الصِّحاح.
بخطِّ أَبي زكريَّا ، وفي بعضِها بالضمِّ ، فهو ظالِمٌ وِظَلومٌ ، قالَ ضَيْغَمٌ الأَسَدِيُّ :
إِذا هُوَ لم يَخَفْني في ابن عَمِّي |
|
وِإِنْ لم أَلْقَهُ الرجُلُ الظَّلُومُ(١١) |
وِظَلَمَهُ حَقَّهُ مُتَعدِّياً بنفْسِه إِلى مَفْعولَيْن ، قالَ أَبو زُبَيْد الطائيُّ :
وِأُعْطِيَ فَوْقَ النِّصْفِ ذُو الحَقِّ مِنْهمُ |
|
وِأَظْلِمُ بَعْضاً أَو جَمِيعاً مُؤَرِّبا (١٢) |
قالَ شيْخُنا : وهو يَتَعدَّى إِلى واحِدٍ بالباءِ ، كما في قوْلِه ، عزَّ وجَلَّ ، في الأَعْرافِ (فَظَلَمُوا بِها) (١٣) ، أَي بالآياتِ التي جاءَتْهم.
قالوا : حملَ على معْنَى الكُفْر في التَّعْدِيَة لأَنَّهما مِن بابٍ واحِدٍ ، ولأَنَّه بمعْنَى الكُفْرِ مجازاً ، أَو تَضْمِيناً ، أَو لتَضَمّنه معْنَى التّكْذيبِ ، وقيلَ : الباءُ سَبَبِيَّة والمَفْعولُ مَحْذوفٌ ، أَي أَنْفُسهم أَو الناس ، وِتَظَلَّمَهُ إِيَّاهُ.
وفي الصِّحاحِ : وِتَظَلَّمني فلانٌ أَي ظَلَمَنِي مالي ، ومنه قَوْلُ الشاعِرِ :
__________________
(١) في المفردات : مجاوزة الحق.
(٢) سورة لقمان الآية ١٣.
(٣) سورة الشورى الآية ٤٢.
(٤) الإسراء الآية ٣٣.
(٥) فاطر الآية ٣٢.
(٦) البقرة الآية ٣٥.
(٧) البقرة الآية ٢٣١.
(٨) آل عمران الآية ١١٧.
(٩) الأنعام الآية ٨٢.
(١٠) اللسان وصدره :
وِصاحب صدقٍ لم تر بني شكاته
وفي التهذيب : لم تنلني أذاته.
(١١) اللسان.
(١٢) شعراء إسلاميون ، شعر أبي زبيد ص ٥٩١ ، واللسان.
(١٣) الأعراف الآية ١٠٣.