يقع الخضوع والتذلّل
الكامل ، انتهى كلامه رفع اللّه مقامه.
ثمّ يذكر المصنّف القدير مطالب قيّمة
وثقيلة ملؤها العلم والمعرفة في هذا الباب ، لولا الخوف من الإطالة لتعرّضت إليها
، إلاّ أنّ المقصود الاختصار ، وغير هذا فاُوصي القرّاء الكرام بمطالعة هذا
التفسير القيّم ، ومن اللّه التوفيق.
ثمّ يقول تحت عنوان : (في حقيقة
العبودية ، وأنّ كلمة الجلالة مستجمع لجميع الصفات الكمالية) : ثمّ إنّ التذلّل
والخضوع لمعبوده لذاته وصفاته ، فيكون المعبود مستحقّاً للخضوع له بذاته وصفاته ، والعبد
مستحقاً للاتصاف به لذاته ، وهذا حقيقة العبادة ، فإذا عرف ذاته بخواصّ الامكان
ونقصانه ، وعرف الحقّ باستجماعه لجميع الصفات الكمالية ، انبعث له حال الخضوع
قلباً ، والطاعة له جوارحاً ، وبهذه الملاحظة فاللّه هو الذات المستجمعة لجميع
الصفات الكمالية ، إذ لو فقد منها شيئاً لم يكن معبوداً بقول مطلق. ومن جملتها أن
يكون مرتفعاً عن الخلق وعن مبلغ مداركهم ، بحيث يحتجب عنها بغير حجاب ، ومستوراً
عن درك الأبصار ، ومحجوباً عن الأوهام والخطرات ، فيأله الخلق عن إدراك حقيقته ، فيناسب
جملة من مبادي الاشتقاق السابقة ، ويوافق جملة من الروايات المتقدمة ، ـ ثمّ يذكر
المصنّف وجه ذلك ومطالب اُخرى : ثمّ يقول قدّس سرّه الشريف ـ : ومن هنا يتبين وجه
التعميم في الحاجة والمحتاج في الرواية الاُولى ، وتفصيله بإثبات انحصاره فيه
سبحانه ، وأنّ مَن سواه لا يقدر على الكلّ وإن قدر على بعض ، بل هو محتاج أيضاً ، والمعبود
في كلّ جهة لا بدّ وأن يكون غنياً من كلّ جهة; إذ عبادة المحتاج للمحتاج سفاهة ، وهذا
بحسب ظاهر النظر ، وإلاّ فالمحتاج إليه عند العارف ليس إلاّ الحقّ سبحانه ، وهو من
دونهم وليّ الإعطاء والمنع ، وجميع ما سواه يلتجأ به ، إمّا دائماً كالعارف ، وإمّا
عند الحاجة كالمؤمنين ،