وبالجملة ، كانت المرأة عندهم طفيليّة
الوجود ، تابعة للرجل ، زمام حياتها وإرادتها بيد ربّ البيت من أبيها إن كانت في
بيت الأب ، أو زوجها إن كانت في بيت الزوج ، أو غيرهما. يفعل بها ربّها ما يشاء ، ويحكم
فيها ما يريد ، فربما باعها ، وربما وهبها ، وربما أقرضها للتمتع ، وربما أعطاها
في حقّ يراد استيفاؤه منه كدَين وخراج ونحوهما ، وربما ساسها بقتل أو ضرب أو
غيرهما ، وبيده تدبير مالها إن ملكت شيئاً بالازدواج ، أو الكسب مع إذن وليها ، لا
بالإرث ; لأنّها كانت محرومة منه ، وبيد أبيها أو واحد من قومها تزويجها ، وبيد
زوجها تطليقها .
وسادت في مجتمع الروم أيضاً مظاهر الفسق
والفجور ، مما يدلّ على امتهان كرامة المرأة وسلبها عفافها ، بل جعلها اُلعوبة بيد
الرجل يقضي منها حاجته ، فكثرت الدعارة والفحشاء ، وزيّنت البيوت بصور ورسوم كلّها
دعوة سافرة إلى الفجور ، وأصبحت المسارح مظاهر للخلاعة والتبرّج الممقوت ، وانتشر
استحمام النساء والرجال في مكان واحد وبمرأى من الناس. أمّا سرد المقالات الخليعة
والقصص الماجنة فكان شغلاً مرضياً مقبولاً لا يتحرّج منه أحد ، بل الأدب الذي كان
يتلقاه الناس بالقبول هو الذي يُعبّر عنه اليوم بالأدب المكشوف.
المرأة اليونانيّة :
في اليونان كان الأمر عندهم في تكوين
البيوت وربوبيّة أربابها فيها قريباً من الوضع عند الروم ، فقد كان الاجتماع
المدني وكذا الاجتماع البيتي عندهم متقوّماً بالرجال ، والنساء تبع لهم ، ولذا لم
يكن لها استقلال في إرادة ولا فعل إلاّ تحت ولاية الرجال ، لكنّهم جميعاً ناقضوا
أنفسهم بحسب الحقيقة في ذلك ، فإنّ قوانينهم الموضوعة كانت تحكم عليهن بالاستقلال
ولا تحكم لهنّ بالتبع إذا وافق نفع
__________________